وكذلك إذا قلنا: تحريم الربا في الأشياء الأربعة سببه: الطعم وحرمته تضييقاً لطريق التحصيل فيما عز في نفسه، فإن ما يعز لا ينال إلا بنوع تكلف، وتجشم شروط، ومضايق، وما سقط حرمته لم يضيق طريقه، بل يسهل مناله، كان هذا كلاماً إقناعياً ضعيفاً، ينكشف بالبحث عن غير طائل، إذ يقال العزيز المحترم يصان عن الإتلاف بالإسراف والتضييع، فإما أن يصان عن التحصيل بطريق التضييق فلا، بل يمهد إليه طريق التملك، ويوسع مسلكه لشدة الحاجة إليه"1.
هذا وقد اتضح أن المناسب الاقناعي هو الذي تظهر مناسبته في بادئ الرأي ثم تزول بالبحث والتأمل، أما الأمثلة السابقة فليس من همي مناقشتها إذ قد قيل:
والشأن لا يعترض المثال ... إذ قد كفى الفرض والاحتمال
الثاني: ينقسم المناسب الحقيقي إلى: ديني ودنيوي.
فالمناسب الديني هو ما يجلب للإنسان نفعا، أو يدفع عنه ضرراً بحيث يكون كل منهما متعلق بالآخرة، كتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، ورياضة النفوس، فإنها مناسبة لشرع العبادات، لأن الصلاة مثلاً وضعت للخضوع، والتذلل، والصوم لانكسار النفس بحسب القوى الشهوانية والعصبية.
فإذا كانت النفوس طاهرة تؤدي المأمورات، وتجتنب المنهيات، حصلت لها سعادة الآخرة، لأن منافع العبادات أخروية، وهي ترجع إلى حصول الثواب ودفع العقاب2.
"والحقيقي الدنيوي هو ما يجلب للإنسان نفعاً، أو يدفع عنه ضرراً بحيث يكون كل منهما متعلقاً بالدنيا كالسرقة والزنا، فإن المنفعة المترتبة على شرع الحكم