قيل: لا تعود وهو مذهب من يقول من الأئمة: إن الردة تحبط العمل وإن لم تتصل بالموت, وهو قول الإمام أبي حنيفة, وفي عبارة الشافعي في الأم ما يدل عليه, وقيل: تعود وهو مذهب من يرى أن الردة محبطة للعمل بشرط اتصالها بالموت, وقد حكاه الرافعي عن الشافعي, وهو مذهب الإمام مالك والراجح هو الثاني, وليس أدل على هذا من أن الأشعث بن قيس لم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة, ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد والصحاح وغيرها1.
قال الإمام العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح: "ووراء ذلك أمور في اشتراط أمور أخر من التمييز أو البلوغ في الرائي، واشتراط كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك، واشتراط كونه -صلى الله عليه وسلم- حيا حتى يخرج من رآه بعد موته وقبل الدفن، واشتراط كون الرؤية له في عالم الشهادة دون عالم الغيب", وقد ذكر هذا الإمام فصلا طويلا نفيسا في بيان ذلك, وإليك خلاصة ما قال مع بعض الزيادة.
فأما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه كما هو موجود في كلام يحيى بن معين, وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وابن عبد البر, وغيرهم, فإنهم لم يثبتوا الصحبة لأطفال جيء بهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فحنكهم ومسح على وجوهم أو تفل في أفواههم كعبد الرحمن بن عثمان التيمي، وعبد الله بن معمر، وعبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله وأمثالهم، فأما عبد الرحمن بن عثمان فقال أبو حاتم: كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة؛ وأما عبد الله بن معمر فقال ابن عبد البر ذكر بعضهم أن له صحبة وهو غلط بل له رؤية وهو غلام صغير، وأما عبد الله بن أبي طلحة فهو أخو أنس لأمه أتي به النبي فحنكه كما ثبت في الصحيح. قال العلائي: لا تعرف له رؤية بل هو تابعي وحديثه مرسل،