...
"علم ناسخ الحديث ومنسوخه":
وهو فن مهم عني بمعرفته السلف عناية فائقة: الصحابة فمن جاء بعدهم، يدل لذلك ما روي عن أبي الحسن علي رضي الله عنه "أنه مر على قاضٍ، فقال له: تعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا، فقال: هلكت وأهلكت؟ ", أسنده الحازمي في كتابه "الناسخ والمنسوخ من الآثار" وأسند نحوه عن ابن عباس، وأسند عن حذيفة بن اليمان: "أنه سئل عن شيء فقال: إنما يفتي من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر".
وهو فن صعب، فقد روي عن الزهري أنه قال: "أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا الناسخ من المنسوخ، ولا يتأهل لمعرفته إلا الأئمة الكبار الذين لهم علم بالروايات ومقدمها ومؤخرها".
وكان للإمام الجليل الشافعي يد طولى وسابقة أولى، فقد قال الإمام أحمد لابن وارة وقد قدم من مصر: "كتبت كتب الشافعي؟ قال: لا، قال: فرطت, ما علمنا المجمل من المفسر, ولا ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي", وأدخل فيه بعض أهل الحديث ممن صنف فيه ما ليس منه لخفاء معنى النسخ وشروطه، لذلك كان لا بد لنا من تعريف النسخ.