وثمة حادثة أخرى، فقد كنا نقطع الصحراء بالسيارة يومًا، فانفجرت إحدى الإطارات، وكان السائق قد نسى استحضار إطار احتياطي، وتولاني الغضب، وانتابني القلق والهم، وسألت صاحبي من الأعراب: ماذا وعسى أن نفعل؟ فذكرني بأن الاندفاع إلى الغضب لن يجدي فتيلاً، بل هو خليق أن يدفع الإنسان إلى الطيش والحمق، ومن ثم درجت بنا السيارة وهي تجري على ثلاث إطارات ليس إلا، لكنها ما لبثت أن كفت عن السير، وعلمت أن البنزين قد نفذ، وهنالك أيضًا لم تثر ثائرة أحد من رفاقي الأعراب، ولا فارقهم هدوؤهم، بل مضوا يقطعون الطريق سيرًا على الأقدام (?).
وبعد أن استعرض بودلي تجربته مع عرب الصحراء علق بقوله: (قد أقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء بين الأعراب الرحل -أن مرضى النفوس، والسكرين الذين تحفل بهم أمريكا وأوربا- ما هم إلا ضحايا المدنية التي تتخذ السرعة أساسًا لها، إنني لم أعان شيئًا من القلق قط وأنا أعيش في الصحراء، بل هنالك في جنة الله وجدت السكينة، والقناعة، والرضا (?).
وأخيرًا اختتم كلامه بقوله: (وخلاصة القول أنني بعد انقضاء سبعة عشر عامًا على مغادرتي الصحراء- ما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقبل الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء والامتثال والسكينة، ولقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئت أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير (?).
وبهذا نكون قد أوضحنا ملامح وسطية القرآن في باب الاعتقاد والله الهادي إلى سواء السبيل.
ونرجو من القاريء الكريم أن لا ينسى العبد الفقير إلى الله كاتب هذه الأسطر بالدعاء في ظهر الغيب بالمغفرة والرحمة والشهادة في سبيل الله تعالى وأن يكرمه بالصدقة الجارية بعد وفاته إنه ولي ذلك والقادر عليه.