في جنة الله) يقول بودلي: (في عام 1918 م وليت ظهري العالم الذي عرفته طيلة حياتي، ويممت شطر أفريقيا الشمالية الغربية، حيث عشت بين الأعراب في الصحراء، وقضيت هنالك سبعة أعوام، وأتقنت خلالها لغة البدو، وكنت أرتدي زيهم، وآكل من طعامهم، واتخذ مظاهرهم في الحياة، وغدوت مثلهم أمتلك أغنام، وأنام كما ينامون في الخيام، وقد تعمقت في دراسة الإسلام، حتى إنني ألفت كتابًا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - عنوانه (الرسول)، وكانت تلك الأعوام السبعة التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرحل من أمتع سني حياتي، وأحفلها بالسلام، والاطمئنان، والرضا بالحياة، وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق، فهم بوصفهم مسلمين- يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذًا سهلاً هينًا، فهم لا يتعجلون أمرًا، ولا يلقون بأنفسهم بين براثين الهم قلقًا على أمر، إنهم يؤمنون بأن (ما قدر يكون) وأن الفرد منهم (لن يصيبه إلا ما كتب الله له) وليس معنى هذا أنهم يتواكلون أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيادي كلا) (?).

ثم أردف قائلاً: (ودعني أضرب لك مثلاً لما أعنيه (هبت ذات يوم عاصفة عاتية حملت رمال وادي (الرون) في فرنسا، وكانت العاصفة حارة شديدة الحرارة، ولكن العرب لم يشكو إطلاقًا، فقد هزوا أكتافهم، قالوا كلمتهم المأثورة (قضاء مكتوب) لكنهم ما أن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتهم، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء فعلوا هذا كله في صمت وهدوء، دون أن تبدو من أحدهم شكوى، قال رئيس القبيلة الشيخ: لم نفقد الشيء الكثير، فقد كنا خليقين بأن نفقد كل شيء ولكن حمدًا لله وشكرًا, فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا، وفي استطاعتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015