قالوا: أفسد المعنى، لأن لا يأتَلي لا يُقصّر؛ فكأنه قال: لا يقصِّر في ترْك أن لا يُقصِّر فوصفه بالتقصير. وبيان ذلك أنه لم يأتَل؛ فقد جدّ في ترْكِ الجِدّ، وهو نهايةُ التقصير. قال المحتج: لا أرى لا إلا زائدة؛ فتقديرُ الكلام: لا يأتلي في تركِ أن يأتلي؛ فكأنه لا يقصِّر في تركِ التقصير، وهذا هو الجِدّ؛ وزيادة لا غيرُ مستَنْكَر، وقد جاء في القرآن والشعر، قال الله تعالى: (لئلا يعْلَم) فمعناه ليعلم. وقال أبو النجم:

وما ألو البيض ألا تسحرا

فزاد لا، فأما زيادةُ ما فكثيرٌ مشهور. وقال العجّاج في زيادة لا:

في بئرِ لا حُورٍ سرَى وما شعَرْ

أي في بئر حورٍ.

وقوله:

كأنّك أبصَرْت الذي بي وخِفتَه ... إذا عِشْتَ فاخترْتَ الحِمام على الثُّكْلِ

قالوا: هذا الكلام الذي لا طريقَ للفهم إليه لتخالُفِ أطرافِه وتنافُرِ معانيه وألفاظه؛ يقول: كأنك أبصرتَ ما بي من الحُزنِ عليك، وخِفتَه إذا عشتَ، فاخترتَ أن تكوت على أن تثكل، ولو عاش ما أبصر شيئاً مما لحقَه ولا خافَه، لأنّ الذي جرّ ذلك الحزنَ والضّنَى هو موته، فكيف يكونُ - لو عاش - مُبصِراً له وخائفاً! وما معنى هذا الثُكْل ها هنا؟ أهو ثُكْل هذا الميّت له أم ثكله للميّت؟ فإن كان ثكله للميّت فهو الحِمام الذي قد حصل، وإن كان ثكل الميّت له فكأنه قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015