لا يخْلون من معرفة العروق ومواقِع الفصْد، ورأى بقراط هو المقدَّم في الطب ضرب به المثل في ذلك، وهو ليس بأكبر من غلط العربي في اسم داود عليه السلام الى اسم ابنه سليمان عليه السلام، ثم غلَطه في اسمه حتى يجعلَه مرة سلاّماً، ومرة يسميه سُليماً.
وقال الآخر منهم:
مثل النّصارَى قتلوا المَسيحا
لما سمع القصة ولم يدر كيف حقيقةُ القول فيها أجراها على ما خطر بباله.
وقوله:
الفاعلُ الفِعلَ لم يُفعَل لشدّتِه ... والقائلُ القولَ لم يُترَك ولم يُقَلِ
قالوا: كيف يكون القول غيرَ متروك ولا مَقول؟ وهل هذه إلا مناقضَة ظاهرة! قال المحتج: إنّ من عادة الناس إذا استقصَروا فعلَ الفعل قالوا: فعلتَ وما فعلتَ؛ أي لم تفعله على وجْه التمام، ولم تبلُغ به شريطة الكمال؛ فقد تكلّفْت الفعلَ، وكأنّك لم تفعل. فكذا هو القول لم يُترَك ولم يُقَل؛ لأنه قد تعرّض له فلم يوفِّه حقّه، ولم يبلُغ المرادَ فيه؛ فكأنه لم يُقَل. وقد يجوز أن يكون المُراد به أنه لم يُترَك، لأنه لم يخطُر بالبال فيُترَك، وإنما ابتدعتَه أنت وسبقتَ إليه؛ والشيء إذا لم يخطُر بالبال، ولم تتعلّقْ به الهمّة لم يُسَمّ متروكاً في المُتعارَف من الكلام؛ وليس يجبُ أن يكون الحكمُ بالمناقضة مقصوراً على ظاهر اللفظ، وإنما المعوَّل على المعاني والمقاصد؛ ولو ادّعى ذلك في قول القائل كان أسوَغ:
في كفه معطية منوع