وفهمه وحسن تدبره كان مجالا للتنافس فيما بينهم، وحكي عن السلمي قوله: كنا نقرأ العشر الآيات من القرآن ولا نتجاوزها حتى نعلم ما فيها من علم وعمل. وكان بين أصحاب الرسول من هو حبر الأمة وترجمان القرآن, وكان أقرأهم زيد، وأعلمهم بالفرائض. وإذا اختلفوا في شيء ردوه إلى فلان.
كل هذا دليل على عناية جيل الصحابة -ومن بعدهم جيل التابعين- بالقرآن حفظا وفهما وتدبرا، فكلهم لم يقصروا في فهم ما حفظ من القرآن ولم يمتنع عن إعمال عقله في فهم القرآن، بدليل أننا لم نقرأ آية من كتاب الله إلا وجدنا عنها نقولا للصحابة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم.
2- لم نقرأ عن الصحابة والتابعين الذين نقلوا إلينا أقوال الرسول وأفعاله أنهم توقفوا أمام آية أو حديث، وقالوا: إن العقل يعارضها أو يرفضها، أو ينبغي تأويلها بصرفها عن ظاهرها، وإنما عملوا بالمحكم وآمنوا بالمتشابه, وقالوا: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} خاصة فيما يتصل بقضايا الغيب من هذه الآيات, وفي مقدمتها آيات الصفات الإلهية التي هي محك الخلاف بين السلف ومخالفيهم, وكذلك آيات البعث والحساب. كذلك لم يتساءلوا عن كيفية أي صفة من الصفات المذكورة في الآية المعينة أو الحديث المعين, وإنما تلقوها بالقبول كما سمعوها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم.