لعل ما سبق يقودنا إلى الحديث عن علاقة الوحي بالعقل باعتبار أن كلا منهما وسيلة أو أداة من أدوات المعرفة، لكل منهما مجاله وميدانه الذي نجح في الكشف عنه والتعرف عليه، وعلينا أن ندرك أنهما معا وسيلتان للمعرفة، وكما أن العقل مسلط على عالم الشهادة فكذلك الوحي خاص بالتعرف على عالم الغيب، وليس من هدفنا الدخول في تفصيلات هذه العلاقة, فقد كفانا القدماء الحديث عنها ولكن نود أن ننبه هنا إلى أهم معالم المنهج في هذه القضية. إذ يرتبط المنهج هنا بفهم طبيعة علاقة العقل بعالم الشهادة من جانب وعلاقة العقل بعالم الغيب من جانب آخر، وإذا عرفنا أبعاد علاقة العقل بعالم الغيب والفارق الكبير بينها وبين علاقته بعالم الشهادة, فإنه يكون من اليسير فهم علاقة العقل بالوحي.
1- مما ينبغي أن نؤمن به إيمانا جازما أن الله أنزل كتابه ليفهم ويتدبر، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] , وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] . ولهذا فإن إقبال السلف على حفظ القرآن