سبق أن أشرنا إلى علاقة العقل بعالم الشهادة, وأنها مؤسسة على إدراك كامل بطاقة العقل وإمكاناته والعلم بوظيفته، وسبق أن بينا أن الإنسان لو فقد حاسة من حواسه الخمس فاته العلم بالعالم الحسي المقابل لها. ولو تخيلنا إنسانا خلق بدون هذه الحواس, فإنه لا يعلم شيئا عن هذا العالم على سبيل اليقين.
واليقين هنا مطلب أساسي لهذا اللون من المعرفة بعالم الغيب؛ لأن العقل قد يتخيل أمورًا وعوالم كثيرة لا نصيب لها من الواقع والخيال العلمي له دوره المعرفي في عالم الشهادة، ولا سبيل إلى إنكاره، لكن ينبغي أن نعرف هنا أنه لما غابت الحواس عن العقل تخلف عنه العلم اليقيني بعالم المحسوسات؛ لأن روافد المعرفة الحسية أصبحت مفقودة بالنسبة له فانتقل المستوى المعرفي للشخص من اليقين إلى التخيل, هذا في عالم الشهادة. أما في عالم الغيب, فإن الأمر يختلف تماما عن ذلك؛ لأن الحواس لا تناله أصلا ولا سبيل لها إليه، وبالتالي فإن روافد العقل التي تزوده بالمعرفة بعالم الغيب مفقودة، والتخيل العقلي هنا ليس مطلوبا؛ لأن مطلوب المعرفة هنا هو اليقين الجازم الذي لا مجال فيه للتخيل, وينبغي أن نفرق هنا بين مستويين لمعنى الغيب.