كثيرون وبيّنوا أن هذه التفرقة لا أساس لها إلا في التصور العقلي فقط، وبيّنوا أن ماهية الشيء عين وجوده وليس في الخارج الحسي شيء يسمى ماهية الشيء وآخر يسمى عين الشيء، وأن هذه التفرقة إذا صحت ذهنا وعقلا فلن تصح واقعا ووجودا، وأن تعريف الفلاسفة للعقل بأنه جوهر قائم بنفسه غير صحيح؛ ذلك أن من خصائص الجوهر القائم بنفسه أنه يفعل دائما ولا ينفعل، فهو فعل محض، وذلك لا يتوفر في العقل حسب تصويرهم له.
ومن الأخطاء التي تأسست على مفهوم الفلاسفة للعقل بهذا المعنى السابق أنهم قالوا بنظرية العقول العشرة ليفسروا بها خلق العالم وصدوره عن الأول، وجعلوا العقل العاشر في هذ السلسلة هو المشرف على ما تحت فلك القمر. ومن المعلوم أن هذه النظرية تتعارض مع الدين وأصوله نصا وروحا؛ ولذلك كان موقف السلف منها هو الرفض المطلق، وحذروا جمهور المسلمين منها ومن القائلين بها.
ولعل من المفيد للقارئ الكريم أن يراجع في أخطاء هذه النظرية الكتاب العظيم الموسوم "بالصفدية" لابن تيمية أو كتاب بغية المرتاد في الرد على القرامطة أهل الإلحاد، حيث فصل فيهما ابن تيمية القول في بطلان مذهب الفلاسفة في العقل والعقول العشرة, وبين أنها لا تصح عقلا ولا شرعا، وأنها مؤسسة على مفهوم فاسد في العقل لمعنى المعقل.