فهذا إلهام وتعليم للنحل لكي يؤدي وظيفته المطلوبة منه, حيث ألهمه الحق كيف يبني بيته بطريقته الهندسية، كيف يسلك سبله إلى جني الثمار والأزهار من أماكنها, كيف تتحول فيه وبه إلى عسل مصفى فيه شفاء للناس. هذا كله إلهام وتعليم من الله سبحانه.
وكما يكون الوحي من الله لبعض مخلوقاته، يكون الوحي أيضا من الشياطين لأوليائهم كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121] .
والذي أنبه إليه هنا أن الوحي في كل هذه المواقف، وعلى كل هذه المستويات هو إعلام وإخبار, وهو تعليم وإلهام, وهو وسيلة من وسائل العلم خاص بمن هم أهل له, والعلم بالغيبيات ومسائلها التي أخبر بها الأنبياء ليس لنا وسيلة للعلم بها إلا الوحي الرسالي.
ولا ينكر العقل نوع الإلهام الذي يتعامل به النحل ومن على شاكلته من الحشرات، كما لا ينكر العقل أيضا نوع الرؤى المنامية وإن اختلف العقلاء في تفسيرها؛ لأن هذين النوعين من النوحي يشهد الواقع بهما، وقد شاهد كل منا خلايا النحل وهي تعمل بشكلها المنظم العجيب، وأيضا فإن كل إنسان قد جرب بنفسه نوع الرؤى المنامية سواء سماها رؤيا أو حلما، وسواء فسرها في ضوء تعاليم الأنبياء أو جعلها حلما شيطانيا، فإن اختلاف التعبيرات أو التأويلات حول ظاهرة ما يؤكد وجود الظاهرة ولا يلغيها.