مقصود من الشارع، أن يتعرف الإنسان على أوامر الله ونواهيه ليستطيع أن يحقق بذلك عبوديته لله وحده؛ ليعرف كيف يتخلص من العبودية لغير الله، ليعرف أن كل بني آدم أمام الله سواء، تحقيقا لمعنى العبودية المطلقة للخالق، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] ليعرف كيف يتحقق في سلوكه وعلاقاته مع الله, ومع الناس بمعاني التوحيد الخالص لله ربوبية وألوهية، فيستمد عزته من عزة خالقه، وسلطانه من قوة إيمانه بخالقه، فيتضاءل أمامه كل سلطان, وعلى قدر اعتصامه بهذه المعاني فإن الله يخلق هيبته في قلوب الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس وعلى قدر خشيته لله يخشاه الناس، وهذا هو حبل الله المتين الذي قصد الشارع الاعتصام به والالتفاف حوله, فتتّحد الأهواء وتتوحد المقاصد والغايات، ويكون هوى الناس تبعا لما جاء به الرسول، وهذا التوحد يعود نفعه على المجتمع بالدرجة الأولى حتى وإن بدا في ظاهره أنه من العبادات الدينية، فإنه ينعكس على سلوك الأفراد سكينة في النفس وأمانا في القلب ومودة وتراحما بين الناس.