في المجتمعات البشرية لتسعد طبقات أخرى باسم القانون، وكم قضى أناس سواد ليلهم يفترشون الثرى ويلتحفون العرى ليهنأ غيرهم باسم القانون وكم ... وكم عانت المجتمعات البشرية من ويلات القوانين التي يضعها البشر. ولذلك كان لا بد لهذه الضوابط التي تحكم حركة المجتمع أن تكون من مصدر فوق مستوى الشبهات، فوق مستوى الأهواء والمصالح الطبقية أو الفئوية, وهذا لا يتحقق أبدا إلا إذا كان مصدر هذه الضوابط متعاليا عن أهواء البشر وأغراضهم، وذلك لا يتأتى إلا من الوحي الإلهي، وما سنه البشرية من تشريعات لتنظيم جلب المصالح ودرء المفاسد للناس جميعا، فإن مقاصد الشريعة وأهدافها الكبرى تدور كلها حول هذين الغرضين: جلب المصالح ودرء المفاسد لكل الناس، والفرد والمجتمع على سواء. وفي ضوء هذه المقاصد الشرعية تتحدد علاقة الأفراد والجماعات، وتنتظم علاقة الفرد بالمجتمع، والحاكم بالمحكوم: الرجل والمرأة، العالم والمتعلم، الغني والفقير، القوي والضعيف، وبعبارة جامعة تنتظم في ضوئها شبكة العلاقات الاجتماعية لتتوجه حركة المجتمع كله لتحقيق الأهداف الكبرى التي تهدف إليها مقاصد الشريعة, وتسعى إلى تحقيقها في المجتمع.

لقد فشلت القوانين الوضعية في تحقيق هذه المقاصد في المجتمعات، وينبغي أن ننبه هنا إلى أن المقاصد الكلية للشريعة إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015