فأنت إذا ألقيت سمعك أو قلبت ناظريك في العالم الذي تعيشه ترى فيه من العجائب ما يبهر العقول، فانظر مليا في هذه الأرض التي جعلها الله مهادا للإنسان، وجعلها كفاتا لحاجاته من الطعام والشراب, يلقي فيها البذرة والحبة فتتغذى بماء واحد, وتربتها واحدة, وتتنفس هواء واحدا كما قال سبحانه: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4] ، ومع وحدة الأصول والمصادر تختلف الألوان, وتتنوع المذاقات.
فهذا ثمره حلو وذاك مر وهذا حامض وذاك حارّ، فانظر كيف تتحد الأصول وتتنوع الثمار، وتختلف ألوانها فهذا لونه أبيض وذاك أحمر أو أخضر كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27] ليقرأ فيها العقل طلاقة قدرة الخالق وكمال إرادته، كيف يتحول الماء العذب في جذوع هذه الثمار إلى مرارة في بعضها وحلاوة في بعضها الآخر، كيف يتم ذلك داخل هذا المصنع النباتي إلا إذا كان الصانع مطلق الإرادة والقدرة يفعل ما يشاء وكيف يشاء، ولا يقولن أحد: إن ذلك محكوم بطبيعة البذرة وخصائصها؛ لأن ذلك من لغو الحديث, فإن الذي طبع الثمار وخلقها على هذا النحو العجيب هو هو الذي جعلها مصنعا لهذه الثمار المتنوعة طعما ولونا وشكلا.