ويتعلق بهذه الوظيفة الكونية معنى آخر حرص الشرع على تحقيقه وتحصيله واستحضاره في عقل الإنسان، وهو أن هذا الكون بما فيه من دقائق الصنعة وما يشتمل عليه من حكمة الصانع يعتبر مرآة تتجلى فيها الصفات الإلهية, ويقرأ العقل فيها حكمة الصانع وحسن تدبيره، ومطلق قدرته وعموم إرادته، وكلما ازداد العقل البشري علما بدقائق الصنعة ازداد قلب العالم إيمانا ويقينا بصفات الصانع وما يجب له من صفات الجلال والجمال والكمال {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} هذه المعاني الكونية حرص الشرع على تحقيقها وتحصيلها من معرفة الإنسان بالكون, وما فيه.

أما الأمر الثاني: وهي تحقيق الوظيفة الاجتماعية للكون, بمعنى أن يحسن المرء تسخير هذا الكون وتوظيفه لتحقيق منافع الإنسان ودفع الضار عنه، والكون هنا كلمة جامعة، تطلق على ما سوى الله تعالى، فالعالم من سمائه إلى أرضه سخر لخدمة الإنسان وتحقيق منافعه كما سبق، فكل ما يمكن أن يوظفه العلم لتحقيق خير الإنسانية من هذا الكون يصير مطلبا شرعيا، فاستخراج المعادن من باطن الأرض وتسخير الأفلاك والإفادة من السببية الكامنة فيها، وما في البحر من عوالم وتسخير الرياح.. كل هذا مطلب شرعي ووظيفة إنسانية في الكون، فإذا ما قصر المسلمون في تحصيل هذه الوظائف لا بد أن يجنوا الثمرة المرة القاسية تخلفا وتأخرا عن ركب التاريخ الذي لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015