فالفلسفة اليونانية وهي الأم الشرعية للفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى والحديثة لم ترفض فكرة الإله ولم تنفِ وجوده, وكلام أرسطو عن المحرك الأول وكلام أفلاطون عن الأول والعلة الأولى قد أشبع نهمهم العقلي بالبحث في هذه القضية، فهم لم ينكروا وجود الإله وإن كان تصويرهم له يختلف عما أتى به الوحي, لكنهم لم يقولوا باكتفاء الكون بذاته واستغنائه عنه؛ لأنه عندهم المحرك الأول لهذا الكون، وأن هذا الكون بما فيه يتحرك حسب قوانينه شوقا وتشبها بالإله.
كما لم نقرأ في تاريخ الفكر الديني أن الدين ظاهرة تاريخية مضى وقتها وفات أوانها, ولم يعد لنا حاجة إليها إلا على يد أوجست كونت ومدارس علم الاجتماع التي سارت على منهجه.
كما لم نقرأ أن التدين حالة نفسية يخلقها الإنسان لنفسه يحقق فيها آماله وطموحاته ويهرب إليها من واقعه المؤلم. إن هذه التفسيرات كلها نشأت في ظل النهضة الأوروبية المعاصرة التي ثبتت أركانها على أنقاض الكنيسة وتراثها.
وظهر الدين بمعناه العام في هذه المعركة معارضا للعلم، رافضا له، رمزا للجهل والتخلف، ورجال الدين دعاة إلى الخرافة محاربين للعلم ومعاندين للعقل، وظهرت العلمنة عنوانا لرفض الدين