الإنسانية من عمر الطفولة، فالجنة والنار وما يحيط بهما من ترغيب وترهيب صورة مثالية لآمال الإنسان، والوحي والإلهام صور لأساطير عاشها الإنسان في سن طفولته، والإله صورة مثالية لإنسان الأرض تتجسد فيه صفات العدل والحق وقيم الخير المفقودة في عالم الواقع، وما الدار الآخرة إلا صورة يتحقق فيها للإنسان ما كان يحلم به في حياته الدنيا, ولكنه فشل في تحقيقها فخلق لنفسه عالما آخر تتحقق فيه أحلامه وآماله. وصار الإنسان عندهم هو الذي يخلق إلهه ويصنعه لنفسه من واقع تاريخه النفسي, ومخزونه اللاشعوري.
أما الموقف الثالث: ويرجع إلى علماء الاجتماع الذين فسروا الدين على أنه ظاهرة تاريخية أحسن اختراعها الإنسان ليلوذ إليها ويحتمي بها من نوازل التاريخ, سواء كانت هذه النوازل كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والأمراض، أم كانت نوازل إنسانية كظلم الحكام وطغيان الملوك. لقد أحس الفقراء والضعفاء بحاجتهم إلى قوى عظمى يلتفون حولها ويهرعون إليها عند النوازل واخترعوا اسم الإله، واشتقوا له مجموعة من الصفات التي وصفوا بها الإنسان، فإذا كان في بني البشر ملك يظلم فهناك ملك أكبر منه يقتص منه للمظلوم، وإذا كان هنا قاضٍ غير عادل فهناك قاضٍ أكبر منه عادل يجازي على الخير