هو كتاب لا كالكتب، هو آية لا كالآيات، هو معجزة لا كالمعجزات، هو نور لا كالأنوار، هو سر لا كالأسرار، هو كلام لا كالكلام، هو كلام الله الحى القيوم، الذى ليس لروح القدس جبريل الأمين عليه السلام منه إلا نقله بلفظه العربى من سماء الأفق الأعلى إلى هذه الأرض، ولا لمحمّد رسول الله وخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله منه إلا تبليغه للناس بلفظه الذى تلقاه عن الروح الأمين، ثم بيانه لهم بالقول والعمل ليهتدوا به، فهو معجز للخلق بلفظه ونظمه وأسلوبه وهدايته وتأثيره وعلومه. لم يكن فى استطاعة محمّد صلّى الله عليه وسلم أن يأتى بسورة من سوره بكسبه ولا مواهبه. من علومه ومعارفه، وفصاحته وبلاغته، وهو صلّى الله عليه وسلم لم يكن عالما ولا بليغا ممتازا إلا به. بل فيه آيات صريحة ناطقة بأنه لم يكن يعلم شيئا من علومه- تقدم بعضها، وبأنه كان يعجز كغيره عن الإتيان بمثله، وهو ما أمره تعالى أن يقوله للناس فى تحديه إياهم واستدلاله به على نبوته، وهو قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس: 15]، أى: لو شاء الله ألّا أتلوه عليكم ما تلوته، ولما أعلمكم هو به، فإنى إنما تلوته عليكم بمشيئته وأمره، فقد أقمت فيكم عمرا طويلا لم أتل عليكم شيئا، أفلا تعقلون أنّ من عاش أربعين سنة لم يصدر عنه علم ولا عرفان ولا بلاغة لسان، لا يمكن أن يصدر عنه بعد الاكتهال، ما لم يكن له أدنى نصيب منه فى سن الشباب (?)؟.
وقد بينت فى الكلام على آية التحدى بالقرآن من تفسير سورة البقرة [32] أهم وجوه الإعجاز اللفظى والمعنوى بالإجمال والإيجاز، وهى بضعة أنواع (?).