الوحي المحمدي (صفحة 68)

نتيجة تلك المقدمات العشر

هنا وصل درمنغام إلى آخر المقدمات التى تتصل بالنتيجة المطلوبة له، فأرخى لخياله العنان، ونزع من جواده اللجام، ونخسه بالمهماز، فعدا به سبحا، وجمح به جمحا، وأورت حوافره له قدحا فأثارت له نقعا وأذن لشاعريته الفرنسية فى بريق لمعها، وظلمة نقعها، أن تصف محمدا عند ذلك الغار، بما تحدثه فى نفسه مشاهد نجوم الليل وما تسفعه به شمس النهار، وما تخيل إليه أنه كان يراه فى قنة الجبل من صحارى وقفار، وخيام وآبار، وما ثم خيام ولا آبار، ومن رعاة تهشّ على غنمها حيث لا أشجار، حتى ذكر البحار على بعد البحار، وسيذكر موج البحر أيضا، ونسى أن يصف الفلك المواخر فيه، وما يعرض لها فى حالة الرهو والريح الطيبة، وحالة العواصف والأمواج المصطخبة، فكل منهما فى القرآن، ولم يكن رآه محمد من جبل حراء.

قد أتقن هذا الفرنسى التخيل الشعرى، ولكنه لم يوافق به الوصف الموضعى.

ثم قال مصورا لما يبتغيه محمد صلّى الله عليه وسلم من مشاهداته المزعومة:

«وهذه النجوم فى ليالى صيف الصحراء كثيرة شديدة البريق حتى ليحسب الإنسان أنه يسمع بصيص ضوئها، وكأنه نغم نار موقدة».

«حقا! إنّ السّماء لشارات للمدركين، وفى العالم غيب كلّه. ولكن ألا يكفى أن يفتح الإنسان عينيه ليرى، وأن يرهف أذنه ليسمع؟ ليرى حقا؟ وليسمع الكلم الخالد؟ لكنّ النّاس عيونا لا ترى وآذانا لا تسمع. أما هو فيحسب (!!) أنه يسمع ويرى. وهل تحتاج لكى تسمع ما وراء السماء من أصوات إلا إلى قلب خالص ونفس مخلصة وفؤاد ملئ إيمانا؟».

«ومحمّد فى ريب من حكمة الناس، فهو لا يريد أن يعرف إلا الحقّ الخالص، الذى لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه باطل، وهو يستطيع العيش إلا بالحقّ، والحق ليس فيما يرى حوله، فحياة القرشيين ليست حقا، وربا المرابين، ونهب البدو، ولهو الخلعاء وكل ما إلى ذلك لا شىء من الحق فيه، والأصنام المحيطة بالكعبة ليست حقا، وهبل الإله الطويل الذقن الكثير العطور والملابس ليس إلها حقا».

«إذن فأين الحقّ وما هو؟».

«وظل محمّد يتردّد على حراء فى رمضان من كلّ عام سنوات متوالية، وهناك كان يزداد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015