لم يحضر سمرهم ولهوهم إلا مرتين ألقى الله عليه النوم فى كل منهما، حتى طلعت الشمس فلم ير ولم يسمع شيئا، وقد بطل بهذا ما علل به الخبر على ما فيه من المدح المتضمن لدسيستين: (إحداهما): أن أنداده من قريش كانوا متعلمين وكان هو محروما مما لقنهم آباؤهم من العلم، وكان حرمانه هذا يزيده شغفا بالبحث والاستطلاع. (والثانية): أن نفسه كانت بسبب هذا تزداد طموحا إلى نور الحياة المتجلى فى جميع مظاهرها لاستكناه ما تدل عليه المظاهر.
فهذه مدحة غرضه منها تعليل ما انبثق فى نفسه صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك من الوحى، وسترى بطلان تعليله.
ثم ذكر درمنغام مسألة أبناء النبى صلّى الله عليه وسلم القاسم، والطيّب، والطاهر، وهو يشك فى وجودهم، ويقول إن تكنيته بأبى القاسم لا تدلّ على وجود ولد له بهذا
الاسم، وإنه إن صحّ أنهم ولدوا فقد ماتوا فى المهد، هذا زعم ووهم، والحق أنه ولد له غلام سماه القاسم وكنى به وأنه مات طفلا. وقيل عاش إلى أن ركب الدابة فهذا متواتر. ثم ولد له آخر سماه عبد الله، والصحيح أنّ الطيّب والطاهر لقبان له لا اسمان لغلامين آخرين كما قيل (?)، ولكن درمنغام قد كبر مسألة موت هؤلاء الأولاد الذين يشك فى وجودهم تكبيرا، وبنى عليها حكما، وأثار وهما، قال بعد أن زعم أن محمدا تبنى زيد بن حارثة؛ لأنه لم يطق على الحرمان من البنين صبرا:
«فمن حق المؤرخ أن يجعل هذا الحادث؛ بل الحوادث الثلاثة التى أصابت محمدا فى بنيه ما هى جديرة بأن تتركه فى حياته وفى تفكيره من أثر، والأمر كذلك بنوع خاص إن كان محمدا أميا، فلم تكن المضاربات الجدلية (كذا) لتصرفه عن التأثر بعبر الحوادث ودروسها، وحوادث أليمة- كوفاة أبنائه- جديرة بأن تستوقف تفكيره، وأن تصرفه كل واحد منها إلى ما كانت خديجة تتقرّب به إلى أصنام الكعبة، وتنحر لهبل واللات والعزّى