البيان الإفرنسى، إلا مسألة بحيرا الراهب فأصلها ما ذكرنا، وكأنه لم يحفل بإثباتها، لما يعلمه من مفتريات رجال الكنيسة فيها.
فمحمد صلّى الله عليه وسلم لم يذهب مع عمّه إلى التجارة فى الشام إلا وهو طفل- كما تقدم- وقد أعاده إلى مكة قبل إتمام رحلته، ثم سافر إليها فى تجارة خديجة وهو شاب مرة واحدة، ولم يتجاوز سوق مدينة بصرى فى المرتين، والقوافل التى تذهب إلى الشام لم تكن تمر بمدين وهى فى أرض سيناء، ولم تكن هذه القوافل تضيّع شيئا من وقتها للبحث مع العرب أو الأعراب فى طريقها عن أنبائها والتاريخ القديم لبلادها، ولم يعرف عن تجارها أنهم كانوا يعنون بلقاء أحبار النصارى ومباحثتهم فى دينهم وكتبهم، فمن أين جاء لدر لدرمنغام أن محمدا هو الذى كان يشتغل فى تلك التجارة بالبحث عن الأمم والتواريخ والكتب والأديان، ويعنى بلقاء رؤسائها والبحث معهم كما يفعل رواد العلم والتاريخ، وجواسيس السياسة من الإفرنج فى هذا العصر إنما اخترع هذا لأنه لا يستطيع تعليل ما جاء فى القرآن من قصص الرسل إلا به، وكذلك الأنباء بغلب الروم للفرس كما سيأتى. وسترى ما نفند به تعليله وتحليله، على تقدير صحة ما زعمه كله.
ثم ذكر درمنغام أن العرب- ولا سيما أهل مكة- كانوا يصرفون معظم أوقاتهم بعد ما يكون من تجارة أو حرب فى الاستمتاع بالذات من السكر والتسرى وغير ذلك، وأنّ التاريخ يشهد بأن محمدا كان يراهم ولم يكن يشاركهم فى ذلك، لا لفقره وضيق ذات يده، بل لما صوره بقوله «لكن نفس محمد كانت شغوفا بأن ترى وأن تسمع وأن تعرف، وكأن حرمانه من التعليم الذى كان يعلمه أنداده جعله أشد للمعرفة شوقا، وبها تعلقا، كما أن النفس العظيمة التى تجلت فيه من بعد ذلك آثارها، وما زال يغمر العالم سلطانها، كانت فى توقها إلى الكمال ترغب عن هذا اللهو الذى يطمح إليه أهل مكة، إلى نور الحياة المتجلى من كل مظاهر الحياة لمن هداه الحق إليها لاستكناه ما تدل هذه المظاهر عليه، وما تحدث الموهوبون به، لعله يريد الملهمين.
هذا الخبر من مخترعات خيال درمنغام، فمحمد لم يكن شغوفا بأن يرى ما يفعله فسّاق قومه من فسق وفجور، ولا أن يسمع ذلك، ولا كان يتحرّى أن يعرفه، وقد ثبت عنه أنه