الوحي المحمدي (صفحة 253)

عقد هذا المؤتمر فلن يكون أمثل ولا أرجى من هذه المؤتمرات التى تعقدها الدول فى جامعة الأمم وعواصم السياسة، وهى لم تزد الأدواء القومية إلا إعضالا، والأخطار الدولية إلا تفاقما، والشعوب التى تتصرف بثروة العالم إلا فقرا، وإنما الدواء الواقى المضمون بين أيديهم وهم لا يبصرون، وحجته البينة تناديهم ولكنهم لا يسمعون، قال الله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 23].

وأما أنتم أيّها العلماء المستقلو العقول والأفكار، فالمرجو منكم أن تسمعوا وتبصروا، وأن تعلموا فتعلموا، فإن كانت دعوة القرآن لم تبلغكم حقيقتها الكافلة لإصلاح البشر، على الوجه الصحيح الذى يحركك النظر، بما ضرب دونه من الحجب أو لأنكم لم تبحثوا عنها بالإخلاص مع التجرد من التقاليد المسلمة عندكم والأهواء، ولأنّ الإسلام ليس له زعامة ولا جماعات تثبت دعوته، ولا دولة تقيم أحكامه وتنفذ حضارته، بل صار المسلمون فى جملتهم حجة على الإسلام وحجابا دون نوره، إلى غير ذلك من الحجب والأسباب، التى بينتها فى مقدمة هذا الكتاب فأرجو أن يكون هذا الكتاب كافيا فى بلوغ الدعوة إليكم بشرطها المناسب لحال هذا العصر، فإن ظهر لكم بها الحقّ فذلك ما نبغى ونرجو لخير الإنسانية كلها، وإن عرضت لكم شبهة فيها، فالمرجو من حبّكم للعلم، وحرصكم على استبانة الحق، أن تشرحوها لنا لنعرض عليكم جوابنا عنها، والحقيقة بنت البحث كما تعلمون.

ولا أراكم تعدون من الشبهات الصادرة عن الإسلام (بعد أن ثبتت أصوله بما ذكرنا) أن فيه أخبارا عن عالم الغيب الذى وراء المادة لا دليل عليها عندكم، فإنما مصدر الدين عالم الغيب، ولو كان مما يعلمه البشر بكسبهم، ويدينون به لما كانوا فى حاجة إلى تلقيه من الوحى، وقد بينّا أنّ تعاليم القرآن قد أثبتت أنه وحى من عالم الغيب، وقامت برهانا على وجود الله علمه وحكمته، فوجب أن تؤخذ أخباره بالتسليم، وحسبكم أنه ليس فيه منها ما يقوم البرهان على استحالته، وإنّ منها ما كان يعدّ من وراء إدراك العقل، ثم كان من ثمرات العلم أن أثبت وجود مثله بالفعل، كتخاطب أهل الجنة وأهل النار وترائيهم وهم فيهما على ما بينهما من البعد، ولا تكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران: 66].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015