ألا إنه قد ثبت بالحس والعيان، أن العلم البشرى وحده لا يصلح أنفس الناس؛ لأنهم لا يخالفون أهواءهم وشهواتهم الشخصية والقومية إلى اتباع آراء أفراد منهم، وإنما يدينون بوازع الفطرة لما هو فوق معارفهم البشرية، وهو ما يأتيهم من ربهم، ولا يوجد فى الأرض دين عام كامل صحيح ثابت إلا دين الإسلام، وقد بينا لكم أصول تشريعه الروحى والسياسى والاجتماعى الصالح لكل زمان ومكان، وأنه دين السلام والحق والعدل والمساواة التى تعطى كل شعب وكل فرد حقه، فبه وحده يمكن البرء من الأدواء المالية والسياسية والحربية والاجتماعية كلها، فاليهوديّة دين مؤقت خاص غير عام وانتهى زمانها، والمسيحية إصلاح روحى لليهودية ليس فيها تشريع، ولا تصلح وصاياها الزهدية التواضعية لحضارة هذا العصر، وإنما كانت موقوتة لإصلاح غلو اليهود والروم فى الطمع الدنيوى والشهوات كما تقدم.
والبرهمية والبوذية والمجوسية على ما تعلمون فيهن من وثنية وخصوصية، وخرافات وعداوات، وتفاوت طبقات يدينون الله بجعل بعض من كرمهم من البشر أخساء
بالفطرة كالحشرات، أو رجسا من عمل الشيطان، فلا يصلح شىء منها لتثقيفهم بالتوحيد والعرفان، والإخاء الإنسانى العام، فإذن لا ملجأ ولا وزر، والمتحد للبشر، إلا دين الإسلام قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [آل عمران: 19]، فلئن اهتدت به أمة قوية منظمة لتصلحن به سائر الأمم، ولتكون لها السيادة العليا فى جميع الأرض، وليدخلن العالم الإنسانى فى طور جديد من الترقى الجامع بين منافع القوى المادية، والمعارف الروحية، وهما منتهى السعادة الإنسانية.
بلغنا أنه دعا بعض العلماء منكم إلى عقد مؤتمر من كبار علماء الشعوب كلها للبحث فى الوسائل التى يمكن أن تقى حضارة العصر من غوائل الشحناء القومية والدولية، ولئن