الوحي المحمدي (صفحة 247)

الخاتمة فى تجديد التحدى بتعاليم الوحى المحمدى، ودعوة شعوب الحضارة إلى الدين الإسلامى

تلك عقائد دين محمد وقواعد تشريعه، وأصول إصلاحه الدينى والاجتماعى والمالى والسياسى، مسرودة بالإجمال، مؤيدة بشواهدها من آيات القرآن، مجرّدة من حلل المبالغات الخطابية، وعاطلة من حلى الخلابة الشعرية، ونحن المسلمين نتحدّى الفلاسفة والمؤرخين من جميع الأمم، ولا سيما أحرار الإفرنج، بأن يأتونا بمثلها أو بما يقرب منها من تاريخ الأنبياء، وأشهر الحكماء، وأبلغ الأدباء، وأنبغ ساسة الأولين والآخرين مع صرف النظر عن كونه صلّى الله عليه وسلم كان- كما بينا أولا وآخرا- أميا، وجاء بذلك كله بعد استكمال السن التى صرح علماؤهم بأن الإنسان يستحيل أن يبتدئ فيها علما أو فنا، أو يسن فيها شرعا أو يضع قانونا، أو أن ينهض فى العالم بانقلاب عظيم أو عمل خطير، مما لم يكن قد ظهر استعداده له وأخذ بمقدماته فى ريعان الصبا، وشرخ الشباب، وقد بينا الفرق العظيم بينه وبين موسى وعيسى أعظم

أنبياء بنى إسرائيل صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

نتحداهم بهذا القرآن تحديا علميا إصلاحيا سياسيا فى أرقى عهد للبشر فى العلم الكسبى، مع صرف النظر عما كان من تحدى سلفنا بإعجاز عبارته وأسلوبها وبلاغتها العربية فى أرقى عصورها، ونتحداهم به تحديا عمليا من حيث إن تنفيذ محمد صلّى الله عليه وسلم لإصلاحه فى تأثيره وسرعته وعمومه من أكبر المعجزات التى تفوق استعداد البشر، فكيف وقد اجتمع العلم والعمل.

وبيانه أن العلم مما يصلح به حال البشر فى أفرادهم وجماعاتهم وشعوبهم علم واسع يقل فى الأذكياء من يتقن المدون منه فى الكتب الذى يلقن فى المدارس، ثم يقل من يستطيع تنفيذ ما يتعلمه منه فى أمة يتولى أمر سياستها وإدارة الأحكام فيها، فهل فى الإمكان أن يوجد إنسان يضع هذا العلم ذا الشّعب الكثيرة، بل العلوم العالية، ثم يكون هو الذى يتولى تنفيذها وإصلاح أمة كبيرة بها، ويتم له النجاح فى ذلك بنفسه فى عصره؟.

إن هذا ليس فى استطاعة أحد من البشر، ولم يقع من أحد منهم فيما غير، وأصول هذا الإصلاح وفروعه محفوظة إلى اليوم وقد فسد أكثر البشر لتركهم الاهتداء بها!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015