الظهور إلى أن تظهر فى سن الكهولة بهذه الروعة من البيان، وسلطان البلاغة على القلوب، وقوة البرهان فى العقول، فتحدث هذه الثورة العربية المغيرة لطباعها، والمبدلة لأوضاعها، بحيث تسود بها شعوب المدنية كلها، ويتلو ذلك ما قصه التاريخ من الانقلاب فى العالم كله بها؟
وأعجب من هذا كله أن يظهر فى هذا العصر أنّ أمم العلم والفنون الواسعة والحضارة العجيبة أشد حاجة إليها ممن قبلهم؟ كلا. إن هذا لم يعرف مثله فى البشر، فلم يبق إلا أنه علم موحى به من الله عزّ وجلّ مفروض على كل عاقل بلغته دعوته أن يتبعه ويهتدى به لتكميل إنسانيته، وهداية أمته، وإعدادها لسعادة الدنيا والآخرة. فإن اعترضته شبهة عليه فليبحث عنها أو لينبذها، فما كان لعاقل ثبت عنده نفع علم الطب أن يترك مراعاته فى حفظ صحته، أو مداواة مرضه، لشبهة فى بعض مسائله، أو خيبة الأطباء فى بعض معالجاتهم للمرضى. فهو أعظم أطباء الأرواح والاجتماع فيهم.
قال الله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام: 149].
***