الوحي المحمدي (صفحة 235)

هداية الإسلام فى تحرير الرقيق وأحكامه

قد شرع الله تعالى لإبطال الرق طريقتين: تحديد تجديد الاسترقاق فى المستقبل أو تقييده، وتحرير الرقيق القديم بالتدريج، الذى لا ضرر ولا ضرار فيه.

الطريقة الأولى منع الإسلام جميع ما كان عليه الناس من استرقاق الأقوياء للضعفاء بكلّ وسيلة من وسائل البغى والعدوان،

وقيده باسترقاق الأسرى والسبايا فى الحرب التى اشترط فيها ما تقدم بيانه من دفع المفاسد وتقرير المصالح، ومنع الاعتداء ومراعاة العدل والرحمة وهى شروط لم تكن قبله مشروعة عند المليين، ولا عند أهل الحضارة فضلا عن المشركين الذين لا شرع لهم ولا قانون، ولست أعنى بالاستثناء أنّ الله شرع لنا من هذا النوع من الاسترقاق كل ما كانت الأمم تفعله معاملة لهم بالمثل، بل شرع لأولى الأمر من المسلمين مراعاة المصلحة للبشر فى إمضائه أو إبطاله بأن خيّرهم فى أسرى الحرب الشرعية بين أمرين:

(أولهما) المن عليهم بالحرية فضلا وإحسانا ورحمة.

(ثانيهما) الفداء بهم وهو نوعان: فداء المال، وفداء الأنفس إذا كان لنا أسارى أو سبى عند قومهم بنص الآية (?) من سورة محمد التى أوردناها فى القاعدة الخامسة من قواعد الحرب، ولما كنا مخيرين فيهم بين إطلاقهم بغير مقابل والفداء بهم جاز أن يعد هذا أصلا شرعيا لإبطال استئناف الاسترقاق فى الإسلام، فإن ظاهر التخيير بين هذين الأمرين أن الأمر الثالث الذى هو الاسترقاق غير جائز لو لم يعارضه أنه هو الأصل المتبع عند جميع الأمم وأقره الإسلام لأنه أمر عالمى دولى يقع به التعامل بين الأعداء فى الحرب، فمن أكبر المفاسد والضرر أن يسترقوا أسرانا ونطلق أسراهم ونحن أرحم بهم وأعدل كما يعلم مما يأتى، ولكن الآية ليست نصا فى الحصر، ولا صريحة فى النهى عن الأصل، فكانت دلالتها على تحريم الاسترقاق مطلقا غير قطعية. فبقى حكمه محل اجتهاد أولى الأمر إذا وجدوا المصلحة فى إبقائه أبقوه، وإذا وجدوا المصلحة فى ترجيح المن عليهم بالحرية- وهو إبطال اختيارى له- أو الفداء بهم عملوا به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015