فإنّ الولايات المتحدة لما حررت رقيقها كان بعضهم يضرب فى الأرض يلتمس وسيلة للرزق فلا يجد ما يحسنه أو يقدر عليه فيحور إلى سادته يرجو منهم العود إلى خدمتهم كما كان.
وكذلك جرى فى السودان المصرى، فقد جرب الحكام من الإنكليز أن يجدوا لهم رزقا بعمل يعملونه مستقلين فيهم مكتفين به فلم يمكن، فاضطروا إلى الإذن لهم بالرجوع إلى خدمة الرق السابقة بشرط أن لا تسمح للمخدومين ببيعهم والاتجار بهم.
فهذا برهان حسى مشاهد على أن إبطال الرق- الذى كان عاما فى البشر- بتشريع دينى يتعبد الله تعالى به من أول يوم لم يكن من الحكمة ولا من مصلحة البشر الممكن تنفيذها، والإسلام تشريع عملى لا هوادة فيه، فما شرعه فى الرقيق كان أعلى مراتب الحكمة، الجامع بين المصلحة العامة والرحمة، كما تراه مفصلا فيما يلى فنجزم بأنه هداية ربانية، لا فلسفة محمدية، وإنما كان محمد صلّى الله عليه وسلّم أحكم وأرحم مبلّغ ومنفّذ لوحى الله بها، وقد أعتق كثيرا من الرجال والنساء قبل البعثة وبعدها من ماله ومال زوجته خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها، وكان بعض من يملكهم يفضلون الرق عنده على العتق على الحرية عند أهلهم، وكذلك فعل صاحبه الأول وصديقه الأكبر أبو بكر الصديق رضى الله عنه الذى أنفق أكثر ماله فى تحرير الرقاب.