الوحي المحمدي (صفحة 233)

المقصد العاشر من مقاصد القرآن تحرير الرقبة

إن استرقاق الأقوياء للضعفاء قديم فى شعوب البشر، بل هو معهود فى الحشرات التى تعيش عيشة الاجتماع والتعاون أيضا كالنمل، فإذا حاربت قرية منه أخرى فظفرت بها وانتصرت عليها فإنها تأسر ما سلم من القتال وتستعبده فى خدمة الظافر من البناء وجمع المئونة وخزنها فى مخزنها وغير ذلك.

كانت شعوب الحضارة القديمة من المصريين والبابليين والفرس والهنود واليونان والروم والعرب وغيرها تتخذ الرقيق وتستخدمه فى أشق الأعمال، وتعامله بمنتهى القسوة والظلم، وقد أقرته الديانتان اليهودية والنصرانية، وظل الرق مشروعا عند الإفرنج إلى أن حررت الولايات المتحدة الأمريكية رقيقها فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادى، وتلتها إنجلترا باتخاذ الوسائل لمنعه من العالم كله فى أواخر القرن التاسع عشر، ولم يكن عمل كل منهما خالصا لمصلحة البشر العامة، فإن لهم فيها مصالح خاصة، ولا جنوحا للمساواة بينهم، فإن الأولى لا تزال تفضل الجنس الأبيض الأوروبى المتغلب على الجنس الأحمر الوطنى الأصلى بما يقرب من الاستعباد السياسى المباح عند جميع الإفرنج للشعوب، بل يستبيح الشعب الأبيض تعذيب المخالف له فى لونه فى الولايات المتحدة على كل ذنب بما لا يبيحه القانون، فيتخطفه دعارهم من أيدى الحكام والشرطة وينكلون به أشد تنكيل، ويمثلون به أفظع تمثيل، كما أن إنجلترا تحتقر الهنود وتستذلهم، ولكن النهضة الهندية فى هذا العهد قد خفضت من غلوائهم،

وطأمنت من إشناق كبريائهم (?)، وغيرهما من الإفرنج المستعمرين شر منهما ظلما وقسوة وكل منهم يأبون أن يصلوا فى كنائس مستعمراتهم مع أبناء البلاد فيتناوبون الصلاة فيها.

فلما ظهر الإسلام، وأشرق نوره الماحى لكل ظلام، كان مما أصلحه من فساد الأمم إبطال ظلم الرقيق وإرهاقه، ووضع الأحكام الممهدة لزوال الرق بالتدريج الممكن بغير ضرر ولا ضرار ولا بغى ولا استكبار، إذ كان إبطاله دفعة واحدة متعذرا فى نظام الاجتماع البشرى من الناحيتين: ناحية مصالح السادة المسترقين، وناحية معيشة الأرقاء المستعبدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015