على ذكر الفلسفة أذكر شبهة لمقلدتهم على الفضائل وعمل الخير بهداية الدين يلوكونها بألسنتهم ولا يعقلون فسادها، وهى أنّ الكمال البشرى؛ أن يعمل الإنسان الخير لذاته أو لأنه خير لا لعلة، ويعدون من أكبر العلل أن يعمله لمرضاة الله أو رجاء فى ثواب الآخرة أو خوفا من عقابها. حتى أننى قرأت لكاتب اشتهر بأنه يمدح الإسلام ويدافع عنه مقالا يهذى فيه بهذه الفلسفة. ومعنى هذا- إن كانوا يفقهون أن من النقص فى الإنسان أن يقصد بعمل الخير والبر ما أرشد إليه الدين من تزكية نفسه وترقية روحه، بحيث تكون راضية مرضية عند ربّ العالمين ذى الكمال المطلق الأعلى، وأهلا لجواره فى دار كرامته. وإنما يكون كاملا إذا خرج عن طبعه، وقصد بعمله النفع لغيره دون تزكية نفسه ودون إرضاء ربه، وأعمل العمل لذاته أى لا لمصلحة ولا لمنفعة فيه، وهذا سفه وعبث ينزه عنه العقلاء.
(فإن قيل): بل نقصد به المصلحة العامة أو المنفعة الخاصة بغير العامل.
(قلنا): إن هذا مما شرعه الدين وجعله مما يرضى الله تعالى، وينال به ثوابه، فهل تشترطون فى كونه خيرا أن يكون فاعله كافرا بالله لا يبتغى رضوانه ولا ثوابه، وأن يحب نفع الناس بشرط أن لا ينتفع هو بعمله فيما لا يضرهم؟ ألا إن هذا لمن الحماقة والسفه، لا من الحكمة والفلسفة.
مثال ذلك: أنّ جميع الصدقات الواجبة والمستحبة من الخير الذى يفضل بها المؤمن غيره على نفسه وأهله، وقد مدح الله فيها الإيثار على النفس، حتى مع الحاجة والفقر، فقال فى أنصار نبيه صلّى الله عليه وسلّم ورضى عنهم: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: 9]، وذم الرياء فيها وفى كل عمل وهو منفعة دنيوية. وقلّما يفعل غير المؤمن خيرا إلا لأجل الرياء والسمعة. أفتقولون: إنه مع هذا من الخير، وإنما يخرجه من محيط الخير، أن يرتفع به إلى القرية عند الله عزّ وجلّ؟ وأى خير وفضل وكمال أعلى من القرب إلى ذى العزة والجلال؟.
وجملة القول: إن أركان الدين الثلاثة مأثورة عن جميع الملل القديمة وذلك دليل على أنّ أصلها واحد وهو الوحى وهداية الرسل، وأنه كان قد دبّ إليها الفساد بتعاليم الوثنية وبدعها، فجاء محمّد النبى الأمى بهذا القرآن من عند الله تعالى فأصلح ما كان من