وقد نص القرآن على ما جاء به من هذا الإصلاح هو ما أوحاه إلى إبراهيم أبى الأنبياء المعروفين الذين يدين الله بنبوتهم اليهود والنصارى، وإلى موسى والأنبياء الذين كانوا من بعده على شرعه، فقال تعالى: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النجم: 35 - 41]، أى:
أن أصل دين الله لجميع رسله أنه لا تحمل نفس وازرة- أى خاطئة- خطيئة نفس أخرى بفداء ولا غيره، وأنه ليس للإنسان إلا سعيه وعمله فلا يجزى بعمل غيره. وقد يدخل فى عموم عمله ما يكون سببا له كالذى يعمله ولده أو تلميذه بتأثير تربيته وتعليمه، وما يسّنه من سنّة حسنة أو سيئة فله مثل جزاء من يعمل بهما من بعده.
الأصل الجامع فى ذلك قوله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس: 7 - 10]، أى: إن الله الذى خلق هذه النفس وسواها بما وهبها من المشاعر والعقل، قد جعلها بإلهام الفطرة والغريزة مستعدة للفجور الذى يرديها ويدسيها «1»، والتقوى التى تنجيها وتعليها، ومتمكنة من كل منهما بإرادتها، والترجيح بين خواطرها ومطالبها، ومنحها العقل والدين يرجحان الحق والخير على الباطل والشر، فبقدر طهارة النفس وأثر تزكيتها بالإيمان ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال يكون ارتقاؤها فى الدنيا وفى الآخرة والضد بالضد فالجزاء أثر طبيعى للعمل النفسى والبدنى ولذلك قال تعالى: (6: 139 سيجزيهم وصفهم) وهذا هو الحق الذى يثبته من عرف حقيقة الإنسان، وحكمة الديان، وهو مما أصلحه القرآن من تعاليم الأديان.
فإذا علمت ما كان من إنكار مشركى العرب للبعث والجزاء، ومن فساد إيمان أهل الكتاب وسائر الملل فى هذه العقيدة، وعلمت أنها مكملة للإيمان بالله تعالى، وأن تذكرها هو الذى يقوى الوازع النفسى الذى يصد الإنسان عن الباطل والشر والظلم والبغى، ويرغبه فى التزام الحق والخير وعمل البر- علمت أن إصلاحها ما فعل العجل
فى شعب كبير إلا بتكرار التذكير بها فى القرآن، بالأساليب العجيبة التى فيها من حسن البيان، وتقريب البعيد