الإيمان باليوم الآخر وما يكون فيه من البعث والحساب والجزاء على الأعمال، هو الركن الثانى للدين الذى بعث الله به الرسل عليهم السلام، وبه يكمل الإيمان بالله تعالى، ويكون باعثنا على العمل الصالح وترك الفواحش والمنكرات والبغى والعدوان، وكان جل مشركى العرب ينكرونه أشدّ الإنكار، وأما أهل الكتاب وغيرهم من الملل- التى كان لها كتب وتشريع دينى ومدنى، ثم فقدت كتبهم أو حرّفت واستحوذت عليهم الوثنية- فكلهم يؤمنون بحياة بعد الموت وجزاء يختلفون فى صفتهما لا فى أصلهما ولكن إن إيمانهم هذا قد شابه الفساد ببنائه على بدع ذهبت بجل فائدته فى إصلاح الناس، وأساسها عند الهنود وغيرهم من قدماء الوثنيين، وخلائف النصارى المتبعين لدين القيصر قسطنطين، هو وجود المخلص الفادى الذى يخلص الناس من عقوبة الخطايا ويفديهم بنفسه، وهو الأقنوم الثانى من الثالوث الإلهى الذى هو عين الأول والثالث وكل واحد منهما عين الآخر، وكل ما تقوله النصارى فى فداء المسيح للبشر وغير ذلك من ولادته إلى رفعه فهو نسخة مطابقة لما يقوله الهنود فى كرشنة وبوذا فى اللفظ والفحوى كما، قلما يختلفان إلا فى الاسمين.
كرشنة ويسوع (?).
وأما اليهود فكلّ ديانتهم خاصة بشعب إسرائيل، وادعاء محاباة الله تعالى له على سائر الشعوب فى الدنيا والآخرة، ويسمونه إله إسرائيل، كأنّه ربهم وحدهم لا رب العالمين، وديانتهم أقرب إلى المادية منها إلى الروحية، فكان فساد الإيمان بهذا الركن من أركان الدين تابعا لفساد الركن الأول وهو الإيمان بالله تعالى ومعرفته، ومحتاجا إلى الإصلاح مثله.
جاء القرآن للبشر بهذا الإصلاح، فقد أعاد دين النبيين فى الجزاء إلى أصله المعقول وهو ما كرّم الله تعالى به الإنسان، من جعل سعادته وشقائه منوطين بإيمانه وعمله، اللذين هما فى كسبه وسعيه، لا من إيمان غيره وعمله، وأنّ الجزاء على الكفر والظلم والفساد فى الأرض، يكون بعدل الله تعالى بين جميع خلقه بدون محاباة شعب على شعب والجزاء على الإيمان والأعمال الصالحة يكون بمقتضى الفضل، فالحسنة بعشرة أمثالها وقد يضاعفها الله تعالى أضعافا كثيرة.