وفى آخر سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر: 22 - 24].
فهذه الأسماء الإلهية هى ينابيع الحياة الروحية فى القلوب، ومشرق أنوار المعارف الإلهية على العقول؛ ومنها استمدّ الأولياء العارفون والأئمة الربانيون تلك الحكم السامية، والكتب العالية فى معرفته تعالى وأسرار خلقه، والأدعية والقصائد فى حبّه ومناجاته. بعد أن تربوا بكثرة ذكره وتلاوة كتابه.
وهذا هو الغرض الأوّل من أمر القرآن المؤمنين بذكر الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ليكون الله تعالى غالبا على أمرهم، كما قال فى وصف يوسف عليه السلام: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ [يوسف: 21]، فيمقتون الباطل والشر، ويكون كل حظّهم من الحياة الحق والخير، لما يثمره الذكر لهم من صلاة الله عليهم وملائكته ليخرجهم من الظلمات إلى النور كما قال عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 41 - 43].
بهذا التكرار الذى جعله أسلوب القرآن المعجز مقبولا غير مملول، طهّر الله عقول العرب وقلوبهم من رجس الشرك وخرافات الوثنية، وزكّاها بالأخلاق العالية والفضائل السامية.
وكذا غير العرب ممن آمن بالله وأتقن لغة كتابه، وصار يرتله فى عبادته ويتدبر آياته، حتى إذا دب فى الشعوب الإسلامية دبيب الجهل بلغة القرآن، وقل تدبره الذى فرضه الله عليهم، واعتمد المسلمون فى فهم عقيدتهم على الكتب الكلامية المصنفة، وفى أعمال عباداتهم على كتب الفقه الجافة، وفى تزكية أنفسهم على الأوراد البشرية المؤلفة، ضعف التوحيد فى قلوب الكثيرين، وشابته شوائب الشرك الأصغر ثم الأكبر، واتبعوا سنن من قبلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع «1» اعتقادا وعملا، وتأولا وجدلا. فصار أدعياء العلم يتأولون تلك الآيات الكثيرة فى التوحيد بشبهاتهم وأهوائهم وتقاليدهم المبتدعة. وهجروا القرآن هجرا غير جميل، وعاقبهم الله بما أوعدهم كما هو مشاهد ومعلوم.