العبد إلى غير الله تعالى فيما يشعر بالحاجة إليه من كشف ضرّ وجلب نفع من غير طريق الأسباب. فقد ذكر الدعاء فى القرآن أكثر من سبعين مرة. بل زهاء سبعين بعد سبعين مرة، لأنه روح العبادة ومخها. بل هو العبادة التى هى دين الفطرة كلّه، وما عداه من العبادات فوضعى تشريعى من تعليم الوحى فهو يغذيها وينقيها من شوائب الآراء، وينفى عنها تقاليد الأهواء.
بعض آيات الدعاء أمر بدعائه تعالى وحده، وبعضها نهى عن دعاء غيره مطلقا، ومنها حجج على بطلان الشرك أو على إثبات التوحيد، ومنها أمثال تصور كل منهما بالصور اللائقة المؤثرة، ومنها إخبار بأن دعاء غيره لا ينفع ولا يستجاب، وأن كل من يدعى من دونه تعالى فهو عبد له، وأن أفضلهم وخيارهم كالملائكة والأنبياء
يدعونه هو ويبتغون الوسيلة إليه، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشرك الذين يدعونهم من دون الله أو مع الله ويتبرءون منهم، وأمثال ذلك مما يطول شرحه، بل يضيق المقام عن تلخيصه.
وثم أنواع أخرى من آيات الإيمان بالله تعالى تغذى التوحيد، وتصعد بأهله درجات متفاوتة فى السّمو بمعرفته تعالى والتأله والتوله فى حبه، من التنزيه والتقديس والتسبيح له وذكر أسمائه الحسنى ممزوجة ببيان الأحكام الشرعية المختلفة حتى أحكام الطهارة والنساء والإرث والأموال، وبحكمه فى الخلق والتدبير لأمور العالم، وسننه فى طباع البشر وفى شئونهم الاجتماعية، ووضع كل اسم منها فى الموضع المناسب له من علم وحكمة وقدرة ومشيئة وحلم وعفو ومغفرة ورحمة وحب ورضا وما يقابل ذلك، ومن الأمر بالتوكل عليه والخوف منه لإجلاله أو لعدله، والرجاء فى رحمته وفضله؛ وناهيك بما سرد منها سردا لجذب الأرواح العالية إلى كماله المطلق وفنائها فى شهوده عن شهودها بله أهواءها وشهواتها كما تراه فى فاتحة سورة الحديد: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 1 - 3] إلخ.