إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19]، أى: وأنذر به كل من بلغه من غيركم من الناس. وقال فى آخر سورة النمل: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [النمل: 91 - 93].
إن رؤساء قريش عرفوا من جذب الناس إلى الإسلام بوقعه فى أنفسهم هم ما لا يعرفه غيرهم، وعرفوا أنه ليس لجمهور العرب مثل ما لهم من أسباب الجحود والمكابرة، فقال لهم عمه أبو لهب من أول الأمر: خذوا على يديه، قبل أن تجتمع العرب، ففعلوا، وكان من ثباته صلّى الله عليه وسلم على بث الدعوة واحتمال الأذى ما أفضى بهم إلى الاضطهاد وأشد الإيذاء له ولمن يؤمن به، حتى ألجئوهم إلى الهجرة بعد الهجرة، ثم إجماع الرأى على قتله، لولا أن خرج من وطنه مهاجرا، ثم صاروا يقاتلونه فى دار هجرته وما حولها، وينصره الله عليهم، إلى أن اضطروا إلى عقد الصلح معه فى الحديبية سنة ست من الهجرة، وكان أهم شروط الصلح السماح للمؤمنين بمخالطة المشركين، وهو الذى كان سبب سماعهم للقرآن، ودخولهم بتأثيره فى دين الله أفواجا. فكان انتشار الإسلام فى أربع سنين بالسلم والأمان أضعاف انتشاره فى ست عشرة سنة من أول الإسلام.