تواصيهم بما حكاه الله تعالى عنهم فى قوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26].
وقد أدرك هذا فلاسفة فرنسا (?)؛ فذكر فى كتاب له قول دعاة النصرانية إن محمدا لم يأت بآية على نبوته كآيات موسى وعيسى، وقال فى الرد عليهم: إن محمدا كان
يقرأ القرآن خاشعا أواها متألها فتفعل قراءته فى جذب الناس إلى الإيمان ما لم تفعله جميع آيات الأنبياء الأولين.
(أقول): ولو كان القرآن ككتب القوانين المرتبة وكتب الفنون المبوبة، لما كان لقليله وكثيره من التأثير ما كان لسوره المنزلة.
ومن الشواهد الكثيرة على صحة قول هذا الفيلسوف ما روى أن كبراء قريش اجتمعوا فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذى قد فرق جماعتنا وشئت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد فجاء النبى صلّى الله عليه وسلم فكلمه فيما قالوا عنه، وما يخافون من عاقبة أمره أن يفضى إلى قيام بعضهم على بعض بالسيوف، وعرض عليه كل ما يمكن أن يريده من المال والرئاسة والتزوج بعشر من خير نساء قريش، حتى إذا أتم كلامه تلا عليه النبى صلّى الله عليه وسلم سورة فصلت حتى بلغ قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 13]، قام عتبة فأمسك على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه. فلما رجع إليهم وجدوه متغيرا فقالوا قد صبأ (أى مال) إلى محمد وقص عليهم خبره وما وقع من الرعب فى قلبه من قراءته. ومما قاله: وقد علمتم أن محمدا، إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب. وفى رواية أنه قال: «كلمنى بكلام والله ما سمعت أذناى بمثله قط فما دريت ما أقول له» أ- هـ. مختصرا من رواية المحدثين وهو مفصل فى السير النبوية.
كان كل ما يطلبه النبى صلّى الله عليه وسلم من قومه أن يمكنوه من تبليغ دعوة ربه بتلاوة القرآن على الناس وإذ قال تعالى مخاطبا له: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ