الوحي المحمدي (صفحة 10)

يفيض جزالة فى اتساق نسق، متجانسا مسجعا، لفعله أثرا عميقا فى نفس كلّ سامع يفقه العربيّة. لذلك كان من الجهد الضائع غير المثمر أن يحاول الإنسان أداء تأثير هذا النثر البديع «الذى لم يسمع بمثله» بلغة أخرى، وخاصة اللغة الفرنسية الضيقة (التى لا سعة فيها للتعبير عن الشعور) المرثة (?) «التى لا تتنازل عن حقوقها» والقاسية. وزد على ذلك أن اللغة الفرنسية ومثلها جميع اللغات العصرية ليست لغة دينية، وما استعملت قط للتعبير عن الألوهية» أهـ.

ثم تكلم عن عنايته هو مدة تسع سنوات متتالية بمحاولة نقل شىء من القرآن إلى اللغة الفرنسية على شرط المحافظة على بلاغة الأصل، وتساءل هل أمكنه التغلب على هذه الصعوبة أم لا؟ يعنى أنه يشك فى ذلك.

(ثالثها): أسلوب القرآن المخالف لجميع أساليب الكلام

إن أسلوب القرآن الغريب المخالف لجميع أساليب الكلام العربى وغيره، وطريقته فى مزج العقائد والمواعظ والحكم والأحكام والآداب بعضها ببعض فى الآيات المتفرقة فى الصور- وهو ما بينّا سببه وحكمته فى هذا الكتاب- وقد كان حائلا دون جمع كبار علماء المسلمين من المفسرين وغيرهم لكلّ نوع من أنواع علومه ومقاصده فى باب خاص به. كما فعلوا به فى آيات الأحكام العملية من العبادات والمعاملات. دون القواعد والأصوب الاجتماعية والسياسية والمالية التى يرى القارئ نموذجها فى هذا الكتاب. إذ لم يكونوا يشعرون بالحاجة إليها كما نشعر فى هذا العصر.

وقد عنى بعض الإفرنج (?) بوضع كتاب باللغة الفرنسية جمع فيه آيات القرآن بحسب معانيها، ووضع كلا منها فى باب أو أبواب خاصة بقدر فهمه، ولكنه أخطأ فى كثير من هذه المعانى وقصر فى بعض مما علمه، وما جهله منها عظيم، ذلك بأن أخذ القواعد والأصول العامة (?) من هذه الآيات يتوقف على العلم بسيرة النبى صلّى الله عليه وسلم وسنته فى بيان القرآن وتنفيذه لشرعه، وآثار خلفائه وعلماء أصحابه من بعده، كما يعلم من يراجع فى ذلك الكتاب الآيات الدالة على ما بيناه فى كتابنا هذا من مقاصد القرآن بالاختصار، وما فصلناه منها فى تفسير المنار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015