أن الإسلام ليس له دولة تقيم القرآن وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم بالحكم وتتولّى نشره بالعلم، ولا جماعات دينية تتولى بحمايتها الدعوة إليه بالحجة، وليس لأهله مجمع دينى علمى يرجع إليه فى بيان معانى القرآن وهدايته فى سياسة البشر ومصالحهم العامة التى تتجدد لهم بتجدد الحوادث ومخترعات العلوم والفنون وفيما
يتعارض بين العلوم ونصوص الدين، فيرجع إليها علماء الإفرنج فى استبانة ما خفى عليهم من نصوصهما.
وأعجب من هذا وأغرب أنّ المسلمين أنفسهم قد تركوا من بعد خير القرون الأولى أخذ دينهم من القرآن المنزل ومن بيان الرسول صلّى الله عليه وسلم له كما أمره الله تعالى فيه بقوله: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]، وما زالوا يهجرون الاهتداء بهما حتى استغنوا عنهما استغناءا تامّا بأخذ عقائدهم من كتب المتكلّمين، وأخذ أحكام عباداتهم ومعاملاتهم عن كتب علماء المذاهب غير المجتهدين، وهذه الكتب لا تقوم بها حجة الله تعالى على البشر، ولا سيما أهل هذا العصر الذى ارتقت فيه جميع العلوم العقلية والتشريعية، حتى صار المسلمون منا، يأخذون عنهم العلم كما كان أجدادهم يأخذون عنّا، بل فيها من آراء المتكلمين والفقهاء، وروايات الكذابين والضعفاء ما قد يعدّ حجة على الإسلام وأهله، كما أنّ سوء حال المسلمين فى فشو الجهل فى شعوبهم، والفساد والانحلال فى حكوماتهم، قد اتخذ حجة على دينهم، فصاروا فتنة للذين كفروا به (?).
وإذا كان هذا حال المسلمين فى فهم القرآن وهدايته، فكيف يكون حال الشعوب التى نشأت على أديان أخرى ألفتها، ولها رؤساء يربونهم عليها ويصدونهم عن غيرها؟ ودول حربية قد عادت الإسلام منذ بضع قرون، بما لو وجهوه إلى جبال لاندكت وزالت من الوجود، ولكنه دين الله الحىّ القيوم، فهو باق ما دام البشر فى الأرض لا يزول أو يزولون أجمعون.
هذه أظهر الأسباب لخفاء حقيقة الإسلام الكاملة على علماء الحضارة العصرية من الأجانب والمسلمين أيضا وتمنيهم لو يبعث نبىّ جديد بهداية إلهية عامة كافية لإصلاحهم.