إن من المقرر شرعًا أن كل حادثة أو واقعة في الكون أو أمر في الدنيا يتعلق بالإنسان له حكم شرعي عند اللَّه تعالى، عَرَفه من عَرَفه، وجهله من جهله، وأنه يجب على علماء الأمة أن يبيِّنوا ذلك حتمًا لازمًا، وفرضًا مؤكدًا، وهذا أمر غير محدود ولا محصور، ولا ينتهي مع التقدم والتطور.
وإن النصوص الواردة في القرآن والسنة لبيان الأحكام الشرعية محدودة ومحصورة، وإن أحداث الكون التي تتلعق بالإنسان في مختلف الأزمنة والأمكنة، ومع تطور الحياة، وتقدم العلوم، ورقي الأمم والحضارات، غير محدودة ولا محصورة.
وإن المحدود والمحصور لا يحيط بغير المحدود وغير المحصور، وهذا يقتضي حتمًا أن يكون مع القرآن والسنة مصدر شرعي مقرر ومقبول يبين أحكام الحوادث التي لم يرد فيها نص، ويوجب حتمًا أن يوجد في الأمة من تتوفر فيه الأهلية لذلك.
وهذا ما أدركه صحابة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الذين تربوا في مدرسة النبوّة، وتخرجوا على يدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وعرفوا مقاصد الشريعة وأهدافها وغاياتها وأسرارها، ولذلك لما عيَّن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُعاذَ بن جَبَل رضي اللَّه عنه على القضاء أراد اختباره، وسأله: "كَيْفَ تقضي إنْ عَرَضَ لك القضاءُ يا معاذُ؟ " فأجابَ: أقضي بكتابِ اللَّه تعالى، قالَ: "فإنْ لم تجِدْ في كتاب اللَّه؟ " قال: فبسنَّةِ رسولِ اللَّه، قال: "فإنْ لم تجدْ في سنهِ رسولِ اللَّه؟ "، قال: أجتهدُ