وَسبب المَاء العذب السائح هُوَ انْعِقَاد البخار فِي الجو. أَعنِي السَّحَاب وَمَا يعرض لَهُ من الانحصار بالبرد حَتَّى يعود مِنْهُ إِمَّا مطر وَإِمَّا ثلج وَإِمَّا برد. وَلَو أَنَّك توهمت الْجبَال مُرْتَفعَة عَن وَجه الأَرْض وتخيلت الأَرْض كرة مستديرة لَا نتوء وَلَا غور فِيهَا لَكَانَ البخار الْمُرْتَفع من هَذِه الكرة لَا ينْعَقد فِي الجو وَلَا ينْحَصر وَلَا يعود مِنْهُ مَاء عذب. بل كَانَ غَايَة ذَلِك البخار أَن يتَحَلَّل ويستحيل هَوَاء قبل أَن يتم مِنْهُ مَا هُوَ سَبَب عمَارَة وَجه الأَرْض وَذَلِكَ لأجل أَن البخار الْمُرْتَفع من الأَرْض يحصل بَين أعوار الأَرْض وَبَين الْجبَال الَّتِي تَمنعهُ السيلان ومطاوعة حَرَكَة الْفلك وَأَسْبَاب الرجة الَّتِي هِيَ حَرَكَة الْهَوَاء. أَعنِي أَن قلل الْجبَال الشاهقة تحفظ الْهَوَاء المحتقن يين أغوارها من الْحَرَكَة الَّتِي يُوجِبهَا الْفلك بأسره وَالْكَوَاكِب فِيهَا وشعاعاتها المؤثرة الملطفة الَّتِي توجب لَهَا السيلان. فَإِذا حصل الْهَوَاء بَين الْجبَال كَذَلِك - كَانَ البخار الْمُرْتَفع فِيهِ أَيْضا مَحْفُوظًا من التبدد وَالْحَرَكَة بتحرك الْهَوَاء وَلحق هَذَا البخار من برد الْجبَال الَّتِي تحفظه فِي زمَان الشتَاء على أَنْفسهَا مَا يجمده ويعقده ثمَّ يعصره فَيَعُود مَاء مستحيلاً أَو غَيره مِمَّا يجْرِي مجْرَاه. وَلَوْلَا الْجبَال لكَانَتْ هَذِه الْمِيَاه الْمُدبرَة بِهَذَا التَّدْبِير مَه مَا ذَكرْنَاهُ لَا تجْرِي على وَجه الأَرْض إِلَّا ريثما يهدأ الْمَطَر ثمَّ تنشفه الأَرْض فَكَانَ يعرض من ذَلِك أَن يكون النَّبَات وَالْحَيَوَان يعدمه فِي صميم الصَّيف وَعند الْحَاجة الشَّدِيدَة إِلَيْهِ فِي بقائهما حَتَّى كَانَ لَا يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يُوصل فِي الْبَوَادِي الْبَعِيدَة من الْجبَال أَعنِي باحتفار