الْآبَار الَّتِي يبلغ عمقها مائَة وَمِائَتَيْنِ من الذرعان. فَأَما الْآن - مَعَ وجود الْجبَال - فَإِن الأمطار والثلوج تبقى عَلَيْهَا فَإِذا نشفتها فِي الْوَقْت أَو بعد زمَان نشأت من أسافلها الْعُيُون وسالتت مِنْهَا الْأَنْهَار والأودية وساحت على وَجه الأَرْض منصبة إِلَى الْبحار جَارِيَة من الشمَال إِلَى الْجنُوب فَإِذا فنى مَا استفادته من الأمطار فِي الصَّيف لحقتها نوبَة الشتَاء والأمطار فَعَادَت الْحَال. وَالدَّلِيل على أَن الْعُيُون والأنهار والأودية كلهَا من الْجبَال أَنَّك لَا ترتقى فِي نهر وَلَا وَاد إِلَّا أفْضى بك إِلَى جبل. فَأَما الْعُيُون فَإِنَّهَا لَا تُوجد إِلَّا بِالْقربِ من الْجبَال الْبَتَّةَ. وَكَذَلِكَ مَا يستنبط من القنى وَمَا يجْرِي مجْراهَا. فالجبال تجْرِي من الأَرْض فِي إساحة المَاء عَلَيْهَا من الأمطار مجْرى إسفنجة أَو صوفة تبل بِالْمَاءِ فَتحمل مِنْهُ شَيْئا كثيرا ثمَّ تُوضَع على مَكَان يسيل مِنْهُ المَاء قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى إِذا جَفتْ أُعِيد بلها وسقيها من المَاء لتدوم الرُّطُوبَة السائلة مِنْهَا على وَجه الأَرْض وَيصير هَذَا التَّدْبِير سَببا لعمارة الْعَالم وَوُجُود النَّبَات وَالْحَيَوَان فِيهِ. وللجبال مَنَافِع كَثِيرَة إِلَّا أَن مَا ذَكرْنَاهُ من أعظم مَنَافِعهَا فليقتصر عَلَيْهِ. ولثابت مقَالَة فِي مَنَافِع الْجبَال من أحب أَن يستقصي هَذَا الْبَاب