الَّتِي نسميها الْآن أَوَائِل وَلَيْسَت فِي مَادَّة وَلَا محتاجة إِلَيْهَا. وَجَمِيع قوى النَّفس الَّتِي تتمّ بِالْبدنِ وبآلات جسمية فَإِنَّهَا تبطل بِبُطْلَان الْبدن أَي تَسْتَغْنِي عَنْهَا النَّفس بِمَا هِيَ نفس وجوهر بسيط. وَإِنَّمَا احْتَاجَت إِلَيْهِ لأجل حاجات الْبدن المشارك للنَّفس المستمد مِنْهَا الْبَقَاء الملائم لَهَا إِذا كَانَ نباتاً أَو حَيَوَانا أَو إنْسَانا. فَأَما النَّفس بِمَا هِيَ جَوْهَر بسيط فَغير محتاجة إِلَى شَيْء من هَذِه الْآلَات الجسمية. وَإِنَّمَا عرضت لَك هَذِه الْحيرَة لِأَنَّك سَأَلت عَن أَمر بسيط مَعَ توهمك إِيَّاه مركبا وَحَال الْمركب غير حَال الْبَسِيط أَعنِي أَن الْآلَات الْبَدَنِيَّة كلهَا هِيَ أَيْضا مركبة نَحْو تمامات لَهَا ليكمل بهَا أَيْضا شَيْء مركب. والحواس الْخمس والقوى الَّتِي تناسبها من التخيل وَالوهم والفكر لَا تتمّ إِلَّا بآلات وأمزجة مُنَاسبَة تتمّ بهَا أَفعَال مركبة. فَإِذا عَادَتْ الْجَوَاهِر إِلَى بسائطها بَطل الْفِعْل الْمركب أَيْضا بِبُطْلَان الْآلَات المركبة واستغني الْجَوْهَر الْبَسِيط الْقَائِم بِذَاتِهِ عَن حاجات الْبدن وضروراته الَّتِي تمّ وجوده بهَا من حَيْثُ هُوَ مركب لأَجلهَا.
(مَسْأَلَة سَأَلَ عَن الْحِكْمَة فِي كَون الْجبَال)
الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن مَنَافِع الْجبَال ووضعها على بسيط من الأَرْض. كثير جدا ولولاها مَا وجد نَبَات وَلَا حَيَوَان على بسيط الأَرْض وَذَلِكَ أَن سَبَب وجود النَّبَات وَالْحَيَوَان وبقائهما بعد هُوَ المَاء العذب السائح على وَجه الأَرْض.