أَعنِي الْبَقَاء والحياة على أفضل مَا يُمكن. وَلما فَرضنَا أَن الِاجْتِمَاع قد وَقع والتعاون قد حصل عرض أَن النجار الَّذِي يقطع الْخشب ويهيئه للحداد والحداد الَّذِي يقطع الْحَدِيد ويهيئه للحراث وَكَذَلِكَ كل وَاحِد مِنْهُم إِذا احْتَاجَ إِلَى صَاحبه الَّذِي عاونه قد يَقع اسْتغْنَاء صَاحبه عَنهُ فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن الْحداد إِذا احْتَاجَ إِلَى صناعته الحياكة وَصَاحب الثَّوْب غير مُحْتَاج إِلَى صناعَة الْحداد وقف التعاون وَلم تدر الْمُعَامَلَة وَحصل كل وَاحِد على عمله الَّذِي لَا يجدي عَلَيْهِ فِيمَا يضْطَر إِلَيْهِ من حاجات بدنه الَّتِي من أجلهَا وَقع التعاون واحتيج لذَلِك إِلَى قيم للْجَمَاعَة ووكيل مشرف على أَعْمَالهم ومهنهم موثوق بأمانته وعدالته ليقبل الْجَمِيع أمره وَيصير حكمه جَائِزا وَأمره نَافِذا مُصدقا وأمانته صَحِيحَة ليَأْخُذ من كل أحد ويستوفي عَلَيْهِ قدر مَا عاون بِهِ وَيُعْطِيه من معاونة غَيره بِقسْطِهِ من غير حيف. وَإِنَّمَا يتم لَهُ ذَلِك بِأَن يقوم عمل كل وَاحِد مِنْهُم ويحصله ثمَّ يُعْطِيهِ بِمِقْدَار تَعبه وَعَمله من عمل الآخر الَّذِي يلْتَمس معاونته. وَهَذَا الْفِعْل أَيْضا لَا يتم لهَذَا الْقيم المستوفي أَعمال النَّاس إِلَّا بِأَن يَأْتِيهِ كل من عمل عملا فيعرضه عَلَيْهِ وَيَأْخُذ مِنْهُ عَلامَة من طَابع أَو غَيره يكون فِي يَده مَتى عرضه قبل وَلم ينس وَعرفت صِحَة دَعْوَاهُ وَأعْطى بِهِ من تَعب غَيره بِمِقْدَار. ثمَّ لما نظر فِي هَذَا الشَّيْء الَّذِي يحْتَمل أَن يكون بِهَذِهِ الصّفة فَلم يُمكن أَن يَجْعَل من الْأَشْيَاء الْمَوْجُودَة دَائِما وَمِمَّا يقدر كل أحد على تنَاوله وَمد الْيَد إِلَيْهِ لِئَلَّا يحصله من لَا يعْمل عملا وَلَا يعين أحدا بكده ويتوصل بِهِ إِلَى كد غَيره وتعبه فَيُؤَدِّي إِلَى خلاف مَا دبر لإتمام المدنية والتعاون فَوَجَبَ أَن يكون هَذَا الطابع من جَوْهَر عَزِيز الْوُجُود ليمكن حفظه وَالِاحْتِيَاط عَلَيْهِ وَلَا يصل إِلَّا من جِهَة ذَلِك الْقيم إِلَى مُسْتَحقّه الَّذِي يعرض عمله وكده وَوَجَب مَعَ ذَلِك أَن يكون مَعَ عزة وجوده غير قَابل للْفَسَاد