من المَاء وَالنَّار والهواء بِنَحْوِ مَا يُمكن ذَلِك فِي عالمنا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ شَيْئا مِمَّا يبتل بِالْمَاءِ أَو يَحْتَرِق بالنَّار أَو تفْسد صورته بعض العناصر الْأَرْبَع - لم يَأْمَن صَاحب التَّعَب الْكثير أَن يحصله ثمَّ يُفْسِدهُ عِنْده فيضيع عمله وَلَا يصدق فِيمَا أعَان بِهِ وكد فِيهِ فَوَجَبَ أَن يكون هَذَا الطابع حَافِظًا لصورته خَفِيف الْمحمل مَعَ ذَلِك مَأْمُونا عَلَيْهِ الْفساد مُدَّة طَوِيلَة من الطبائع الْأَرْبَع وَمن الْفساد الَّذِي يكون بالمهنة أَيْضا كالكسر والرض وَغَيرهمَا. وَلما تصفحت الموجودات لم يُوجد شَيْء يجمع هَذِه الْفَضَائِل إِلَّا الْأَشْيَاء المعدنية وَمن بَين الْأَشْيَاء المعدنية الْجَوَاهِر الَّتِي تذوب بالنَّار وتجمد بالهواء. وَمن بَين هَذِه الذَّهَب وَحده فَإِنَّهُ أبقاها وأعزها وأحفظها لصورته وأسلمها على النَّار والهواء وَالْمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ مَعَ ذَلِك سليم على الْكسر وَالْقطع والرض يُعِيد صُورَة نَفسه بالذوب ويحفظها من جَمِيع عوارض الْفساد زَمَانا طَويلا جدا. فَجعل صُورَة مُقَومًا للصنائع وعلامة لهَذَا الْقيم ثمَّ احتيط عَلَيْهِ بِأَن طبع بِخَاتمِهِ وعلاماته. كل ذَلِك خوفًا من توصل الأشرار إِلَيْهِ مِمَّن يرتفق من عمل غَيره وَلَا يرفق غَيره فَإِن هَذَا الْفِعْل هُوَ الظُّلم الَّذِي يرْتَفع بِهِ التعاون وَيَزُول مَعَه النظام وَيبْطل بِسَبَبِهِ الِاجْتِمَاع والتعايش. ثمَّ لما وجد هَذَا الْجَوْهَر جمع هَذِه الْفَضَائِل ويحيط عَلَيْهِ ضروب الاحتياطات من أَن يصل إِلَى غير مُسْتَحقّه - عرض فِيهِ عَارض آخر وَهُوَ أَن الَّذِي عاون النَّاس بمعاونة اسْتحق بهَا شَيْئا مِنْهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَى معاونة يسيرَة لَا تَسَاوِي تَعبه الأول وَلَا تقرب مِنْهُ وَلَا تقرب مِنْهُ. مِثَال أَنه رُبمَا تَعب الْإِنْسَان أما ليحصل لغيره عمل الرَّحَى بمئونة وكلفة وَحِكْمَة بليغة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015