وَمَا يكون فِي بَحر إِلَى بر. وَلها أَصْحَاب يختصون بِجُزْء جُزْء من أَقسَام الْأَحْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا. وَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن الْعَيْش غير جودة الْعَيْش وَحسن الْحَال فِي الْعَيْش لتعلم أَن الْعِمَارَة مُتَعَلقَة بجودة الْعَيْش وَحسن حَاله. وَقد عرف أَن هَذِه الْأُمُور لَا تتمّ إِلَّا بالمخاطرات الْكَثِيرَة وركوب الْأَهْوَال وَاحْتِمَال المشاق والتعرض للمخاوف. وَلَو تبلغ النَّاس بضروراتهم وطرحوا فضول الْعَيْش وَعمِلُوا بِمَا يَقْتَضِيهِ مُجَرّد الْعقل لصاروا كلهم زهاداً وَلَو كَانُوا كَذَلِك لبطل هَذَا النظام الْحسن والزين الَّذِي فِي الْعَالم وعاشوا عيشة قشفة كعيشة أهل الْقرى الضعيفة القليلة الْعدَد أَو كعيشة سكان الخيم وبيوت الشّعْر وأظلال الْقصب. وَهَذِه هِيَ الْحَال الَّتِي تسمى خراب المدن. فَأَما قَوْلك: هَل يُسمى القوام بعمارة الدُّنْيَا حمقى فَأَقُول: إِنَّه لَا يجوز أَن يسميهم بذلك كل أحد وَذَلِكَ ان الَّذين وَصفنَا أَحْوَالهم من سكان الْقرى وأطراف الأَرْض وَالَّذين لَا يكملون لتحسين مَعَايشهمْ هم اولى بِهَذَا النبز من الَّذين اسْتخْرجُوا بعقولهم وصفاء أذهانهم ودقة نظرهم - هَذِه الصناعات الْكَثِيرَة الجميلة العائدة بمنافع النَّاس. وَإِنَّمَا يسوغ ذَلِك لمن أطلع على جَمِيع الْعُلُوم والمعارف وميزها ونزلها منازلها فَترك مَا ترك مِنْهَا عَن خبر وَعلم وآثر مَا آثر مِنْهَا على روية وَبعد يَقِين فَإِن الْحُكَمَاء إِنَّمَا تركُوا النّظر فِي عمَارَة الدُّنْيَا لِأَنَّهَا عَائِدَة بعمارة