وَبَعضهَا نافعة فِي تَزْيِين الْعَيْش فَإِن اجْتِمَاع هَذِه هِيَ الْعِمَارَة. فَأَما إِن فَاتَ المدنية وَاحِدَة من هَذِه الثَّلَاث فَإِنَّهَا خراب. وَإِن فاتها اثْنَتَانِ - أَعنِي حسن الْحَال والزينة جَمِيعًا - فَهِيَ غَايَة فِي الخراب وَذَلِكَ أَن الْأَشْيَاء الضرورية فِي قوام الْعَيْش إِنَّمَا يتبلغ بهَا الزهاد الَّذين لَا يعمرون الدُّنْيَا وَلَيْسوا فِي عدد الْعمار. وَعمارَة الدُّنْيَا التَّامَّة وقوامها بِثَلَاثَة أَشْيَاء هِيَ كالأجناس الْعَالِيَة ثمَّ تَنْقَسِم إِلَى أَنْوَاع كَثِيرَة. وَأحد الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة إثارة الأَرْض وفلاحتها بالزرع وَالْغَرْس وَالْقِيَام عَلَيْهَا بِمَا يصلحها ويستعد لما يُرَاد مِنْهَا اعني الْآلَات المستخرجة من الْمَعَادِن كالحجارة وَالْحَدِيد المستعملة فِي إثارة الْحَرْث والطحن وإساحة المَاء على وَجه الأَرْض من الْعُيُون والأنهار والقنى والدوالى وَغير ذَلِك. وَالثَّانِي آلَات الْجند والأسلحة المستعملة لَهُم فِي ذب الْأَعْدَاء عَن أُولَئِكَ الَّذِي وصفناهم ليتم لجماعتهم الْعَيْش ويقام غرضهم فِيمَا اجْتَمعُوا لَهُ بالمعاونة. وللجند أَيْضا صناع وَأَصْحَاب حرف فهم يعدون لَهُم الْخَيل بالرياضة والجنن للوقاية وَسَائِر الأسلحة للدَّفْع والذب. وَالثَّالِث الجلب والتجهيز الَّذِي يتم بِنَقْل مَا يعز فِي أَرض إِلَى أَرض،