الْأَبدَان وَلما اطلعوا على شرف النَّفس على الْبدن وَرَأَوا لَهَا عَالما آخر وجمالاً يَلِيق بذلك الْعَالم وصناعات وعلوماً ومسالك ركُوبهَا أشق وأعسر من ركُوب مخاطرات الدُّنْيَا وَلُزُوم محجتها والدءوب فِيهَا بِالنّظرِ وَالْعَمَل أصعب وَأكْثر تعباً من الدءوب وَالْعَمَل فِي الدُّنْيَا - آثروا التبلغ وتبلغوا بالقوت الضَّرُورِيّ من الدُّنْيَا على أَنهم هم الَّذين عمِلُوا لهَؤُلَاء أصُول الصناعات والمهن وتركوهم وَإِيَّاهَا لما لم يكملوا لغَيْرهَا ثمَّ اشتغلوا وشغلوا من جالسهم بِالْأَمر الْأَعْلَى الْأَفْضَل.
مَسْأَلَة مَا السَّبَب فِي قلق من تأبط سوأه واحتضن رِيبَة واستسر فَاحِشَة
حَتَّى قيل - من أجل مَا يَبْدُو على وَجهه وشمائله -: كَاد الْمُرِيب يَقُول خذوني وَمَا هَذَا الْعَارِض وَمن أَيْن مثاره وَبِأَيِّ شَيْء زَوَاله. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا تعترض الْحيرَة فِيهَا لمن لَا يعْتَرف بِالنَّفسِ وَأَن حركات الْبدن الاختيارية كلهَا إِنَّمَا تكون بهَا وَمِنْهَا. فَأَما من علم أَن النَّفس هِيَ الْمُدبرَة لبدن الْحَيّ وَلَا سِيمَا الْإِنْسَان الْمُخْتَار الَّذِي مدبره النَّفس المميزة الْعَاقِلَة فَلَا أعرف لحيرته وَجها. وَذَاكَ ان النَّفس إِذا عرفت شَيْئا واستعملت ضد مَا يَلِيق بِتِلْكَ الْمعرفَة لحقها من الِاضْطِرَاب مَا يلْحق الطبيعة إِذا كَانَت حركتها يمنة فحركت يسرة بِقُوَّة دون قوتها أَو مُسَاوِيَة لَهَا.