إِلَيْهِ والشاكي بَين يَدَيْهِ هَذَا وَهُوَ لَا يَرْجُو ثَوابًا وَلَا ينْتَظر مآباً وَلَا يخَاف حسابا. أَتَرَى الْبَاعِث على هَذِه الْأَخْلَاق الشَّرِيفَة والخصال المحمودة رغبته فِي الشُّكْر وتبرؤه من القرف وخوفه من السَّيْف قد يفعل هَذِه فِي الْأَوْقَات لَا يظنّ بِهِ التوقى وَلَا اجتلاب الشُّكْر وَهل فِي هَذِه الْأُمُور مَا يُشِير إِلَى تَوْحِيد الله تبَارك وَتَعَالَى. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: للْإنْسَان - بِمَا هُوَ إِنْسَان - أَفعَال وهمم وسجايا وشيم قبل وُرُود الشَّرْع وَله بداية فِي رَأْيه وأوائل فِي عقله لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى الشَّرْع بل إِنَّمَا تَأتيه الشَّرِيعَة بتأكيد مَا عِنْده والتنبيه عَلَيْهِ فتثير مَا هُوَ كامن فِيهِ وموجود فِي فطرته قد أَخذه الله - تَعَالَى - وسطره فِيهِ من مبدأ الْخلق فَكل من لَهُ غريزة من الْعقل وَنصِيب من الإنسانية فَفِيهِ حَرَكَة إِلَى الْفَضَائِل وشوق إِلَى المحاسن لَا لشَيْء آخر أَكثر من الْفَضَائِل والمحاسن الَّتِي يقتضيها الْعقل وتوجبها الإنسانية وَإِن اقْترن بذلك فِي بعض الْأَوْقَات محبَّة الشُّكْر وَطلب السمعة والتماس أُمُور أخر. وَلَوْلَا أَن محبَّة الشُّكْر وَمَا يتبعهُ - أَيْضا - جميل وفضيلة لما رغب فِيهِ وَلَوْلَا أَن الْخَالِق - تَعَالَى - وَاحِد لما تَسَاوَت هَذِه الْحَال بِالنَّاسِ وَلَا اسْتَجَابَ أحد لمن دَعَا إِلَيْهَا وحض عَلَيْهَا إِذا لم يجد فِي نَفسه شَاهدا لَهَا ومصدقاً بهَا. ولعمري إِذا هَذَا أوضح دَلِيل على تَوْحِيد الله تَعَالَى ذكره وتقدس اسْمه.
(مَسْأَلَة مَا الَّذِي قَامَ فِي نفس بعض النَّاس حَتَّى صَار ضحكة)
أَعنِي يضْحك