ويسخر مِنْهُ ويعبث بقفاه وَهُوَ فِي ذَاك صابر محتسب وَرُبمَا خلا من النائل وَرُبمَا نزر النائل. فَكيف هون عَلَيْهِ الْأَمر الْقَبِيح وَلَعَلَّه من بَيت ظَاهر الشّرف منيف الْمحل. وبمثل هَذَا الْمَعْنى يصير آخر مخنثاً مغنياً لعاباً إِلَى آخر مَا اقتصه من حَدِيث الرجل الَّذِي نَشأ على طَرِيق مذمومة وَهُوَ من بَيت كَبِير. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: مر لنا فِي مَسْأَلَة الفراسة أَن لكل مزاج خلقا يتبعهُ وَالنَّفس تصدر أفعالها بِحَسب تِلْكَ الطبيعة والمزاج وَأَن الْإِنْسَان مَتى استرسل للطبيعة وانقاد لهواه وَلم يسْتَعْمل الْقُوَّة الْمَوْهُوبَة لَهُ فِي رفع ذَلِك وتأديبه نَفسه بهَا - كَانَ فِي مسلاخ بَهِيمَة {} ! . وَهَذَا الْخلق الَّذِي ذكرته فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أحد الْأَخْلَاق التابعة لمزاج خَارج عَن الِاعْتِدَال الَّتِي من ترك الْإِنْسَان وسوم الطبيعة فِيهَا جمحت فِيهِ إِلَى أقبح مَذْهَب وأسوأ طَريقَة. وَحقّ على من بلَى بهَا أَن يجْتَهد فِي مداواتها ويجتهد لَهُ فِيهَا. فقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا الْبَاب إِنَّه مُمكن وَلَوْلَا إِمْكَانه لما حسن التَّقْوِيم والتأديب عَلَيْهِ وَلَا الْحَمد والذم فِيهِ وَلَا الزّجر وَالدُّعَاء إِلَيْهِ وَلَا السياسة من الْآبَاء والملوك وقوام المدن بِهِ. وَمَتى لم يستجب إِنْسَان لمعالجة هَذِه الأدواء كَانَت معالجته بالعقوبات الْمَفْرُوضَة وَاجِبَة فِيهِ. وَمَا أشبه الْأَمْرَاض النفسانية بالأمراض الجسمانية فَكَمَا أَن مرض الْجِسْم مَتى لم يعالجه صَاحبه بِالِاخْتِيَارِ والإيثار وَجب أَن يعالج بالقهر والقسر.