صاحب الهمّة العالية لا يرضى لنفسه دنايا الأمور بل يطمح دائماً إلى ماهو أفضل وأحسن, فتجده يترفع عن مجالس اللغو وإضاعة الوقت, وينأى بنفسه عنها.
يقول الإمام ابن الجوزيّ متألماً من حال من يقطع يومه وليلته في سفاسف الأمور:
((قد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً, إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر, وإن طال النهار فبالنوم, وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق, فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري وما عندهم خبر, ورأيت النادرين قد فهموا معنى الزمان وتهيأوا للرحيل, فالله الله في مواسم العمر, والبدارَ البدارَ قبل الفوات, ونافسوا الزمان)) (?).
ولما فرّ عبد الرحمن الداخل (?) - صقر قريش - من العباسين وتوجه تلقاء الأندلس أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال:
((إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها, وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت